الإمام جعفر الصادق ابن محمد الباقر(ر)

هو الإمام أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب(ر)، وجد الإمام جعفر الصادق لأمه هو أبو بكر الصديق(ر) وبذلك يكون جمع المجد من أطرافه، يعتبر الإمام السادس لدى الشيعة الإمامية الإثنا عشرية والخامس عند الإسماعيلية، وينسب إليه انتشار مدرستهم الفقهية والكلامية، ولذلك تُسمّى الشيعة الإمامية بالجعفرية أيضاً، بينما يرى أهل السنة والجماعة أن علم الإمام جعفر ومدرسته أساسٌ لكل طوائف المسلمين دون القول بإمامته بنصبٍ من الله، وروى عنه كثير من كتَّاب الحديث السنة والشيعة على حدٍ سواء، وقد استطاع أن يؤسس في عصره مدرسة فقهية، فتتلمذ على يده العديد من العلماء، ويُعتبر واحداً من أكثر الشخصيات تبجيلاً عند أتباع الطريقة النقشبندية وقد لقب بالصادق لأنه لم يعرف عنه الكذب قط، أخذ عنه الإمامين أبي حنيفة ومالك.

مولده ونشأته (ر):

ولد الإمام جعفر يوم 17ربيع الأول 83هـ وقيل سنة 80هـ في المدينة المنورة وتوفي فيها عام 148هـ، وروي إنه رأى بعض الصحابة كأنس بن مالك وسهل بن سعد[1].

أمه (ر): هي فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم، وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر(ر)

أبناؤه (ر): كان له عشرة من الأبناء سبعة ذكور هم: عبد الله وجعفر الصادق (أعقب) وإسماعيل[2] (الأعرج) وموسى  وإسحاق ومحمد والعباس وعلي (المعروف بالعريضي)، وثلاث بنات هن: أسماء و فاطمة وأم فروة(ر)

لقبه (ر): لقب الإمام جعفر الصادق لأنه لم يعرف عنه الكذب.

أهم صفاته الخلقية والخلقية (ر):

كان ربعة، ليس بالطويل ولا بالقصير، أبيض الوجه، أزهر له لمعان كأنه السراج، أسود الشعر، جعده، أشم الأنف قد انحسر الشعر عن جبينه فبدا مزهراً، وعلى خده خال أسود وكان كريماً، واسع الصدر قليل الغضب، حسن الخلق يقابل الإساءة بالإحسان تاليا قوله تعالى: “ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم”

وكان جريئا في الحق لا يخاف في الله لومة لائم،ومما يدل على ذلك إجابته للخليفة المنصور عندما سأله: لماذا خلق الله الذباب؟ بعد أن تضايق الخليفة من ذبابة كانت تحط على وجهه ولم يفلح في إبعادها، بقوله: “ليذل به الجبابرة”، استنكارا لسؤاله، قال فيه العلامة أبو زهرة رحمه الله – هو: التقي النقي سليل البركة النبوية والعترة المحمدية الإخلاص معدنه والتجرد في طلب الحقيقة مقصده لازم العلم وانصرف للعبادة، الورع الذي يُخفي تقشفه تطهيرًا للنفس من الرياء، لا يخشى في الله لومة لائم، يكتب إليه الخليفة المنصور: لم لا تغشانا كما يغشانا الناس؟ فيرد قائلاً: ليس لنا ما نخافك من أجله، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له. فيكتب إليه المنصور ثانية: تصحبنا لتنصحنا، فيجيبه بعزة المؤمن: من أراد الدنيا لا ينصحك، ومن أراد الآخرة لا يصحبك لم يغره الثناء ولم يثنه الهجاء، أشرقت نفسه بنور الحكمة، يسأله أبو حنيفة في أربعين مسألة فلا يكتفي بالإجابة الوافية، بل يبين اختلاف الفقهاء فيها وما يختاره من أقوالهم وما يخالفهم فيه جميعاً، جلد صبور، عبد شكور، مات بين يديه ولد صغير فأخرجه إلى الدفن وهو يقول: سبحان من يقبض أولادنا فلا نزداد له إلا حبًّا. سخي جواد، يتحمل خسائر الناس ليمنع الخصومات ويعطي ذوي الحاجة في الظلمات حتى لا يعرفونه، سمح كريم إذا شتمه شاتم يصلي طويلاً ثم يدعو ربه ألا يؤاخذ الجاني، ذو فراسة منعته من اقتحام السياسة والاستجابة لما كان يدعوه مريدوه، ينهى عن الخروج عن الحاكم ويرفض رئاسة الدعوة الشيعية في مواجهة الأمويين .

له من الهيبة ما يفوق الخلفاء، يتلعثم بين يديه اللجوج صاحب البيان القوي من دعاة رؤوس الفرق المنحرفة، متواضع مع تلاميذه ينزع الوسادة من تحته ليجلس عليها الإمام مالك وهو يتلقى منه العلم[3]، ويقول: ما أحب لأحد أنعم الله عليه ألا أن يرى أثر نعمته عليه.

وكان مهابا حتى قال الإمام أبو حنيفة – رحمه الله – لما دخل على أبي جعفر المنصور وهو جالس بجواره: أخذني من هيبة جعفر الصادق ما لم يأخذني من هيبة الخليفة أبي جعفر، كان يقدر العلم وأهله ويحترم المخالف، وكان يعتمد في حواره على الأدلة العلمية، وعلى الاستقراء والاستنباط، وبذلك كان صاحب منهج علمي منضبط، يذكر اختلاف المذاهب والآراء ثم يضيف رأيه واجتهاده كما كان يحب النظر والتفكر والاستنباط، ويعلي من شأن العقل وينبه على نعمته وفضله فقد قال له رجل يوماً: “إن الله تعالى يقول: “ادعوني أستجب لكم” فما بالنا ندعوه فلا يجيبنا؟ قال لأنك تدعو ما لا تعرف، فهو يحث على التفكر في ملكوت الله ومخلوقاته حتى يعرف العبد عظمة ربه وقدرته بالعلم لا بالتقليد، فيكون إيمانه عن علم ويقين راسخاً رسوخ الجبال، وهذا ما مكنه من قوة الحجة فاستطاع بذلك إقامة الحجة على الملحدين والزنادقة وبيان الحق للكثيرين بدلاً من إصدار الأحكام المجردة عن البرهان والدليل، ومن خلال جمعه بين الدراسة المعمقة للقرآن والسنة والبحث العلمي غدا بحق مفكراً إسلامياً، وعالما ربانيا، إماما مجتهدا معدودا في كبار أئمة المذاهب الإسلامية.

عمله وعبادته(ر):

كان عالماً ورعاً، واشتهر بين الناس بذلك، وتلقى كبار العلماء العلم على يديه أمثال الإمامين أبي حنيفة ومالك رحمهما الله تعالى، قال ابن حبّان في وصفه: من سادات أهل البيت فقهاً وعلماً وفضلاً. قال فيه أبو نعيم: اخرج عنه مسلم في صحيحه محتجا بحديثه، وكان مالك بن انس إذا حدث عنه قال (حدثني الثقة بعينه)، وقال فيه: “وما رأت عين، ولا سمعت أذن، ولا خطر على قلب بشر، أفضل من جعفر الصادق فضلاً وعلماً وعبادةً وورعاً” التقى أبو حنيفة مرّة بالإمام الصادق فقال له الإمام: “ما تقول في محرم كسر رباعية ظبي” فأجابه أبو حنيفة: يا ابن رسول الله ما أعلم ما فيه؛ فقال له الإمام جعفر الصادق: “ألا تعلم أن الظبي لا تكون له رباعية، وهو ثني أبداً[4]؟، وقال الحافظ ابن حجر :جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو عبد الله المعروف بالصادق، صدوق فقيه، إمام من السادسة مات سنة ثمان وأربعين بعد المائة روى له البخاري في الأدب المفرد ومسلم في الصحيح وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه[5]، وقال فيه الذهبي: هو الإِمَامُ، الصَّادِقُ، شَيْخُ بَنِي هَاشِمٍ، أَبُو عَبْدِ الله القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ، العَلَوِيُّ، النَّبَوِيُّ، المَدَنِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ. وذكر الإمام الذهبي أنه كان يغضب ممن يتعرض لجده أبي بكر الصديق(ر) .[6]وقال عنه أبو نعيم :الإمام الناطق ذو الزمام السابق أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق أقبل على العبادة والخضوع، وآثر العزلة والخشوع ونهى عن الرئاسة والجموع.

علمه بالكيمياء(ر)

عاش الإمام في وقت عزة الأمة وانتصاراتها وتفرغها للعلم والبحث والترجمة وانكباب العلماء على العلوم الوافدة فكان نصيب الإمام جعفر وافرا من ذلك حيث أكب على قراءة العلوم المختلفة وكان من بينها علوم الشريعة المختلفة،وعلوم الكيمياء والطب والفلسفة والرياضيات .

أكثر الإمام جعفرمن قراءة كتب العلوم ومن التجارب والمقارنات حتى استطاع أن يؤسس في عصره مدرسة علمية تجمع بين علوم الشريعة والعلوم التجريبية، وتتلمذ على يده العديد من العلماء. ويقال إنه من أوائل الرواد في علم الكيمياء حيث تتلمذ عليه جابر ابن حيان وأخذ جعفرعلم الكيمياء حتى برع فيه[7].

ومما ساعده على ذلك خروجه من الخلافات السياسية الدائرة بين الأمويين في آخر خلافتهم والعباسيين إبان نشأتهم .

من أقواله وحكمه وفقهه (ر):

قوله(ر) لحمران :”يا حمران انظر إلى من هو دونك ولا تنظر إلى من هو فوقك في المقدرة فان ذلك أقنع لك بما قسم لك، وأحرى أن تستوجب الزيادة من ربك، واعلم أن العمل الدائم القليل على اليقين أفضل عند اللّه من العمل الكثير على غير يقين واعلم انه لا ورع أولى من تجنب محارم اللّه والكف عن أذى المؤمنين واغتيابهم، ولا عيش أهنأ من حسن الخلق، ولا مال انفع من القنوع باليسير المجزي، ولا جهل أضر من العجب، وقال: “هل الإيمان إلا الحب والبغض”، وكان يقول: “لا يتم المعروف إلا بثلاثة: بتعجيله، وتصغيره، وستره”.

من فقهه (ر)

أنه أفتى بأنه لا يحق للمسلم أن يدخر أكثر من قوت عام إذا كان في الأمة صاحب حاجة إلي طعام أو مسكن أو كساء أو علاج أو دواء أو ما يركبه!! وأفتى بأن السارقإذا اضطر إلي السرقة لأنه لا يعمل، فولي الأمر هو المسئول والآثم فإذا سرق السارق لأنه لا يحصل على الأجر الذي يكفيه هو وعياله، فالذي يستغله أولى بقطع اليد!

وفاته (ر)

توفي بالمدينة المنورة سنة 148هـ وقيل إنه كان مسموماً


[1] حلية الأولياء 3/192-206رقم 236، وسير أعلام النبلاء للذهبي 6/256

[2] أكبر ولد جعفر الصادق وأحبه إليهم توفي في حياته بالعريض وإليه ينتمي طائفة الاسماعيلية الذين تميزوا عن الاثني عشرية بقولها بإمامة اسماعيل بعد أبيه بينما قالت الاثنا عشرية بإمامة أخيه موسى الكاظم توفي قبه بعشرة سنوات ومعظم الروايتات متفقة على أن اسماعيل لم يكن في حياته شيئاً مذكوراً في حياته.- عن كتاب أبناء الإمام في مصر والشام ص 132

[3] جعفر الصادق لأبي زهرة

[4] سير أعلام النبلاء 6/257، وحلية الأولياء 3/ موسوعة عباقرة الإسلام (في الفيزياء والكمياء والرياضيات) 4/19تأليف الدكتور رحاب خضر عكاوي ط دار الفكر العربي – بيروت1994م

[5] انظر التقريب 1/132رقم 91

[6] انظر السير 6/256

[7] انظر موسوعة عباقرة الإسلام 4/19 .

admin

الباحث محمد ماهر بن محمد عدنان بن محمد جميل الصمادي محام ومدرس جامعي خريج جامعات لندن وسويسرا، عمل في شركات دولية ومنظمات الأمم المتحدة في جنيف وكينغستون ودمشق، ومشاريع الاتحاد الأوربي في سورية، له العديد من الأبحاث منها في أنساب عائلة الصمادي.

This Post Has One Comment

اترك تعليقاً