الإمام الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه):

هو الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب(ر) سيد شباب أهل الجنة

والدته فاطمة الزهراء بنت الرسول الأعظم(ص) والده علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ولد سنة أربع وقيل سنة ثلاث للهجرة وقيل ولد بعد الحسن بسنة وعشرة أشهر وقيل بخمس سنين وستة أشهر من التاريخ الهجري في المدينة المنورة ثالث شهر شعبان في السنة الثالثة أو الرابعة للهجرة وفي رواية 5 خلون من شعبان.

قال: ” أروني أبني ما سميتموه فقال علي حرباً، فقال(ص) بل هو حسين”.

كان الإمام الشهيد الحسين أشبه الناس بالنبي(ص) سوى ما كان اسفل صدره[1].

صفاته وحياته (ر):

كان فاضلاً كثير الصيام والقيام والحج وكان ذا كرامات ظاهرة ومكارم أخلاق باهرة، وكان أعلم الناس وأعبدهم فقد كان يصلي كل ليلة مئة ركعة كأبيه أمير المؤمنين(ر) وكان كريماً عظيماً حليماً، فهو سيد الشهداء وأفضل الناس بعد أخيه[2].

ولادته(ر):

كانت والدته فاطمة الزهراء قد علقت به بعد أن ولدت أخاه الحسن بخمسين ليلة وهكذا صح النقل في ذلك، فلم يكن بينه وبين أخيه من التفاوت سوى هذه المدة ومدة الحمل[3].

ولما ولد الحسين(ر) أخبر النبي(ص) به فجاء وأخذه وأذّن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى واستبشر به(ص) وسماه حسيناً وعق عنه(ص) كبشاً وقال لأمه:” احلقي رأسه وتصدقي بوزنه فضة وافعلي به كما فعلت بأخيه الحسن(ر)[4]

ألقابه(ر):

الرشيد والطيب والوفي والسيد والزكي والمبارك والتابع لمرضاة الله سبحانه وتعالى والسبط وأشهرها الزكي وأعلاها رتبة ما لقبه بها رسول الله(ص) في قوله  فيه وفي أخيه أنهما سيدا شباب الجنة فكان السيد أشرفها وكذلك السبط لقوله(ص): “حسينٌ منّي وأنا من حسين أحبّ الله مَن أحبَّ حسيناً، حسين سبطٌ منالأسباط”[5].

شاعره(ر): يحيى بن الحكم وجماعة غيره.

 بوابه (ر): أسعد الهجري نقش على خاتمه لكل أجل كتاب[6]

معاصره (ر): يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد

من كلامه (ر): “حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم، فلا تملوا النعم فتعود نقماً “[7] وقال: “صاحب الحاجة لم يكرم وجهه عن سؤالك فأكرم وجهه عن رده”.

كرمه وجوده(ر):

قال أنس: كنت عند الحسين (ر) فدخلت عليه جارية فجاءته تحييه بطاقة ريحان، فقال لها: أنت حرة لوجه الله سبحانه وتعالى، فقلت له: جارية تحييك بطاقة ريحان لا حظ لها ولا بال فتعتقها؟ فقال: أما سمعت قوله سبحانه وتعالى: “وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها”[8] وكان أحسن منها عتقها “[9].

فضائله والأحاديث التي وردت في حقه(ر):

قال رسول الله(ص): ” الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا”

“فهو ريحانة رسول اللهۖ، قال (ص): “حسين مني وأنا من حسين”

 وأخرج الطبراني عن فاطمة (ر) أن النبيۖ قال: ” أما حسن فله هيبتي وسؤددي، وأما حسين فإن له جرأتي وجودي”

وفي مراسيل يزيد بن أبي زياد، أن النبي(ص) سمع حسيناً يبكي فقال لأمه: ” ألم تعلمي أن بكاؤه يؤذيني”[10]

 أخرج أحمد وابن عساكر عن المقدام بن معد يكرب أن النبي(ص) قال: ” الحسن مني والحسين من علي”

وفاته (ر):

أخرج ابن سعد الطبراني عن عائشة(ر) أن النبي (ص) قال: أخبرني جبريل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف وجاءني بهذه التربة فأخبرني أن فيها مضجعه[11]

وأخرج أحمد: لقد دخل على البيت ملك لم يدخل علي من قبلها فقال لي: “إن ابنك هذا حسيناً مقتول وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها قال: فأخرج تربة حمراء “.

أخرج البغوني في معجمه من حديث أنس أن النبي(ص) قال: “استأذن ملك القطر ربه أن يزورني فأذن له وكان في يوم أم سلمة فقال رسول الله (ص): يا أم سلمة احفظي علينا الباب لا يدخل أحد، فبينما هي على الباب إذ دخل الحسينفاقتحم فوثب على رسول الله(ص) فجعل رسول الله(ص) يلثمه ويقبله،فقال له الملك: أتحبه ؟ قال: نعم، قال الملك: إن أمتك ستقتله، وإن شئت أريك المكان الذي يقتل فيه، فأراه فجاء بسهلة أو تراب أحمر فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها. قال ثابت: كنا نقول أنها كربلاء، وروى أحمد نحوه وزاد أيضاً أنه (ص) شمها وقال: ريح كرب ويلاء وفي رواية الملا ابن أحمد في زيادة المسند، ما قالت: ثم ناولني كفاً من تراب أحمر وقال(ص): إن هذا من تربة الأرض التي يقتل بها، فمتى صار دماً فاعلمي أنه قد قتل، قالت أم سلمة(ر): فوضعته في قارورة عندي وكنت أقول: أن يوماً يتحول فيه دماً لعظيم، وفي رواية عنها: فأصبته يوم قتل الحسين(ر) وقد صار دماً وفي رواية أخرى، ثم قال- يعني جبريل عليه السلام-: ألا أريك تربة مقتله ؟ فجاء بحصيات فجعلهن رسول الله(ص) في قارورة، قالت أم سلمة(ر): فلما كانت ليلة قتل الحسين سمعت قائلاً يقول:

أيها القائلون جهلاً حســــنياً                                    أبشــروا بالعذاب والتذليل

قد لعنتم على لســـان ابن داو                                   د وموسى وحامل الإنجيل

قال: فبكت وفتحت القارورة فإذا بالحصيات قد جرت دماً.

وأخرج ابن سعد عن الشعبي قال: “مرّ سيدنا علي(ر) بكربلاء عند مسيره إلى صفين، وحاذى نينوى وهي قرية على الفرات فوقف وسأل عن اسم هذه الأرض فقيل كربلاء، فبكى حتى بلّ الأرض من دموعه ثم قال: “دخلت على رسول الله(ص) وهو يبكي، فقلت ما يبكيك؟ قال: كان عندي جبريل آنفاً وأخبرني أن ولدي الحسين يقتل بشاطئ الفرات بموضع يقال له كربلاء، ثم قبض جبريل قبضة من تراب شمني أياه، فلم أملك عيني أن فاضتا”.

قتله سنان بن أنس النخعي وقيل غيره يوم الجمعة عاشر المحرم سنة 61هـ وله من العمر ست وخمسون سنة 56 سنة.

ولما قتلوه بعثوا برأسه إلى يزيد فنزلوا أول مرحلة فجعلوا يشربون بالرأس، فبينما هم كذلك إذ خرجت عليهم من الحائط يد معها قلم من حديد فكتبت سطراً بدم:

أترجو أمة قتلت حسيناً                       شفاعة جده يوم الحساب

 فهربوا وتركوا الرأس[12]

وأخرج الثعلبي أن السماء بكت وبكاؤها حمرتها ونقل ابن الجوزي عن ابن سيرين أن الدنيا أظلمت ثلاثة أيام ثم ظهرت الحمرة في السماء وقد قيل في قتله أنه قتله رجل من مزحج وقيل قتله شمر بن ذي الجوشن الضبابي وكان أبرص وأجهر وساعده عليه خولى بن يزيد الأصبحي من حمير فحز رأسه وأتى به عبيد الله بن زياد وقال:

وأقر ركابي فضة وذهباً                     أني قتلت الملك المحجبا

قتلت خير الناس أماً وأباً                     وخيرهم إذ ينسبون نسباً

وقيل قتله عمر وبن سعد بن أبي وقاص وكان هو الأمير على الخيل التي أخرجها عبيد الله بن زياد إلى قتل الحسين(ر) بأمره عليهم، ووعده أن يوليه الري إن ظفر بالحسين وقتله

 وقال ابن عباس(ر) رأيت النبي(ص) فيما يرى النائم نصف النهار، وهو قائم أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم قلت بأبي وأمي يا رسول الله، ما هذا؟ قال هذا دم الحسين لم أزل ألتقته فلما استيقظت وجدته قد قتل في ذلك النهار وسمع قائلاً يقول:

أترجو أمة قتلت حسـيناً                      شـفاعة جده يوم الحساب

وقتل مع الحسين سبعة عشر رجلاً كلهم من ولد فاطمة(ر) ما على وجه الأرض لهم من شبيه، وقيل قتل معه من أهل بيته وأخوته ثلاثة وعشرون رجلاً، ولما مات معاوية أفضت الخلافة إلى ابنه يزيد في سنة 60هـ، وهنا لما طال إرسال أهل الكوفة له ليأتيهم يبايعونه ليستريحوا مما هم فيه من الجور فنهاه ابن عباس(ر) عن الخروج إليهم وبين له غدرهم وقتله لأبيه وخذلانهم لأخيه وأمره أن لا يذهب بأهله إن ذهب فأبى، فبكى ابن عباس(ر) وقال له: “وا حسيناه” وقال له ابن عمر نحو ذلك، فأبى فقبّل بين عينيه وقال استودعك الله من قتيل، وكذلك نهاه ابن الزبير(ر) بل لم يبق بمكة إلا من حزن لمسيره، ولما بلغ أخاه محمد بن الحنفية بكى حتى ملء طشتاً بين يديه.

من كل جانب على الحسين وضربه زرعة بن شريك التميمي على كتفه اليسرى وضرب على عاتقه ثم انصرفوا جميعاً وهو ينوء ويبكوا ثم جاء إليه سنان بن أبي عمرو بن أنس النخعي فطعنه بالرمح فوقع، ثم نزل فذبحه وحز رأسه إلى خولى بن يزيد وقيل: إن الذي قتله شمر بن ذي الجوشن وقتل رجل من مزحج والأول أشهر[13].

وقال أبو مخنف عن جعفر بن محمد قال: “وجدنا بالحسين حين قتل ثلاثاً وثلاثين طعنة وأربعاً وثلاثين ضربة”[14] وقتل من أصحاب الحسين(ر) إثنان وسبعون نفساً وروي عن محمد بن الحنفية أنه قال: “قتل مع الحسين سبعة عشر رجلاً كلهم من أولاد فاطمة”[15] وكان مقتله يوم الجمعة يوم عاشوراء من المحرم سنة إحدى وستين وله أربع وخمسون سنة وستة أشهر ونصف.

وحملوا نساءه وأطفاله ورأسه ورؤوس أصحابه وأهل بيته إلى الكوفة ثم منها إلى الشام وكان آخر أهل بيته وأصحابه قتلاً، عن عمار بن أبي عمار سمعت أم سلمة تقول: ” سمعت الجن يبكين على حسين وتنوح عليه”[16]

نساؤه وأولاده (ر):

كان له من البنين أربعة ومن البنات اثنتان، أما البنون فهم علي الأكبر وأمه ليلى الثقفية وقتل مع أبيه بالطف وعبد الله وقتل في حجر أبيه وهو صبي يرضع أصابه سهم فاضطرب ومات بالطف أيضاً، وأبو محمد علي بن زين العابدين وأمه شهربانويه بنت يزدجرد والابن الرابع اسمه جعفر ومات قبل أبيه صغيراً، وذكر أبو النصر البخاري أن اسمه أبو بكر[17] وأما البنات فهم فاطمة قال الزبيري أن أمها أم اسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التميمي وسكينة أمهما وأم أخيهما عبد الله وأعقب أيضاً جعفر وداوود وفاطمة وأم القاسم وهي قسيمة ومليكة وأمهم أم ولد فارسية تدعى حبيبة[18]

في سيرة سيدنا الحسين بن علي بن أبي طالب(ر)[19]:

سيد شباب أهل الجنة وسبط رسول الله(ص) الشهيد ابن الشهيد ذلك الوصف الذي لم ينطبق على أحد من المسلمين كانطباقه على الحسين(ر) لقد تعود المسلمون أن يهتموا باليوم العاشر من محرم يوم عاشوراء فمنهم من يصومه ومنهم من يستذكر مآثر الشهداء فيه  ويوم عاشوراء يوم مشهود فهو إضافة إلى أنه يوم استشهاد عمر والحسين فهو يوم للعديد من المعجزات التي حدثت للعديد من الأنبياء.

وفي الأثر للمحبي أنه يوم نجاة موسى عليه السلام من فرعون وطغيانه ومحرم أحد الأشهر الحرم وهو شهر الهجرة النبوية وقد سنّ النبي(ص) صيام العاشر منه وقال حين رأى اليهود يصومون هذا اليوم شكراً لله على نجاة النبي موسى عليه السلام فقال نحن أولى بموسى منهم وأمر المسلمين بصيامه.

ويقترب هذا بذكرى استشهاد الحسين في كربلاء فالأولى بنا أن نجعله مناسبة لإحياء مآثر أهل البيت والصحابة واستذكار جهادهم وهجرتهم وليس فقط استذكار استشهاد عمر والحسين(ر) ولقد اعتاد المسلمون الاحتفال بشهر القرآن رمضان وشهر المولد النبوي في ربيع الأول وشهر الهجرة والجهاد محرم الحرام.

وفي خلافة سيدنا عمر الفاروق(ر) وحين فتح الله الدنيا على المسلمين وفتحت لهم خزائن الأرض أسس الخليفة الديوان لتوزيع الفيء وأعطى الحسن والحسين(ر) حصة كحصة أصحاب بدر وحين اعترض ابنه عبدالله بن عمر إذ أنه كان من شباب الصحابة وشهد عدة مشاهد مع النبي(ص) فأجابه أبوه وقال إئتني بجد كجدهما وأم كأمهما وأب كأبيهما أعطيك مثلهما وكان يؤذن لهما بالدخول عليه وبدون حجابة بعكس غيرهما من الناس وصغار الصحابة ومنهم أبناؤه

وحين انتصر المسلمين في القادسية وتم العراق وفارس وهزم كسرى جيء لعمر بالسبايا ومنهن بنات كسرى فاعطى واحدة منهن إلى وزيره ومستشاره علي فأعطاها لابنه الحسين(ر) فأنجبت الإمام علي زين العابدين(ر) الذي نجا من القتل يوم الطف وكان فيه نسل السلالة الحسينية المباركة التي كان منها العديد من الأئمة والعلماء والفقهاء أمثال محمد الباقر وأخيه الشهيد زيد بن علي وابنه جعفر الصادق وعندما مات الحسن(ر) وولى معاوية عهده إلى ابنه يزيد كان في مقدمة منن وقف في وجه قرار معاوية في تعيين يزيد ولياً لعهده ورفض البيعة له عبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن عمر والحسين بن علي وعبد الله بن الزبير وحين أيد المغيرة بن شعبة ذلك القرار ثار عليه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وقال: “والله ما الخير أردتم لأمة محمد ولكنكم أردتم أن تجعلوها هرقلية كلما مات هرقل قام هرقل”.

أما ابن عمر فقد اعتزل الفتنة منذ مقتل عثمان بن عفان(ر) شأن سعد بن أبي وقاص(ر) ولكنه رفض البيعة ليزيد وعبد الملك بن مروان وكذلك عبد الله بن الزبير ويتضح أن طلاب الحكم والسلطة والدنيا ليس لهم علاقة بمذهب إسلامي محدد أو فريق معين، فلا يجوز خلط الأوراق واتهام أحد الفريقين بأن يزيد أو الحجاج أو غيرهما ينتمون إلى هذا الفريق أو ذاك[20].

وهكذا كان الحسين(ر) ضحية الاستئثار بالسلطة والحكم فكان استشهاده وأهل بيته ثمناً للوقوف بوجه هذا التيار وقد تنبأ معاوية بخروج الحسين(ر) وابن الزبير على يزيد بعد موته فأوصاه بالحكمة وعدم إراقة الدماء وخصوصاً مع الحسين(ر) لأنه يعرف من هو الحسين ومدى حب المسلمين له، لكن يزيد لم يأخذ بنصيحة أبيه ولم يتعلم الدرس إلا بعد فوات الآوان ويروى التاريخ أن أهل الكوفة قد كاتبوا الحسين(ر) ودعوه للقدوم عليهم وتأييده وكان الحسين(ر) قد خرج ومعه عبد الله بن الزبير من المدينة إلى مكة ولكن هناك من أبناء الصحابة وأهل البيت من نصح الحسين(ر) بعدم الذهاب إلى الكوفة إذ أنهم خذلوا أباه وحذروه من أن يأمنهم وأبرزهم ابن عباس(ر) وابن عمر(ر) وكان المعترضون يركزون على أن الكوفة لا تصلح للثورة والخروج لا على الخروج نفسه، فقد نصحه بعضهم بالخروج إلى اليمن لأن أهل البيت فيه شيعة وأنصار ولم يعرف عنهم الغدر ولكن الحسين (ر) كان قد عزم على الخروج إلى الكوفة وأرسل ابن عمه مسلم بن عقيل لاستطلاع أخبار العراق ولكنه قتل بعد أن غدر به أهل الكوفة كما توقع ابن عباس وغيره وكان الحسين(ر) قد سار في الطريق إلى الكوفة وحين ألتقى الحسين بالفرزدق الشاعر وهو قادم من العراق سأله عن أهلها، فقال: “قلوبهم معك وسيوفهم عليك”، ولكن سيدنا الحسين(ر) مضى في طريقه ونصحه ابن عباس(ر) أيضاً ألا يخرج بنسائه فيقتل كما قتل عثمان بين نسائه لكن الحسين بن علي(ر) أراد أن يجنب الحجاز مآسي القتال وحين وصل خبر مصرع مسلم بن عقيل(ر) وغدر أهل الكوفة فكر الحسين(ر) بالأنسحاب والرجوع ولكن آل عقيل رفضوا الرجوع وقالوا لا بد من الثأر لمسلم أو نقتل معه فما كان من الحسين(ر) إلا أن استجاب لرأيهم وواصل المسير وحين وصل قرب الكوفة أرسل عبيد الله بن زياد جيشاً بقيادة عمر بن سعد بعد أن هدده وتوعده إن لم يذهب إلى الحسين  بن علي(ر) ويقاتله وحاول عبثاً أن يتهرب من هذه المهمة للصلة بينه وبين أهل البيت وأواصر القربى التي تربطه بهم ولكن في النهاية خضع لأمر عبيد الله بعد أن حذره من معه من الجيش من مغبة مخالفة أمر ابن زياد

ولعل السبب الرئيس لتلك الصفة وهي الغدر عن أهل الكوفة لأنها كانت ملتقى الأعاجم والموالي والغلاة بالبدو وقبائل العرب التي هاجرت من الجزيرة أثناء الفتوح إضافة إلى قدم وعراقة المنطقة مما جعلها أرضاً خصبة لنمو الأفكار المغالية والمتطرفة والنفس الشعوبي المعادي للدين الجديد والله أعلم.

وقاد جيشاً تعداده أربعة آلاف مقاتل مقابل سبعين مقاتلاً مع الحسين(ر)

 وكان للحسين(ر) ثلاثة حلول، إما أن يحمل إلى يزيد للتفاوض معه أو يرجع إلى الحجاز أو أن يذهب إلى الثغور للجهاد ولكن عبيد الله رفض تلك الحلول إلا أن يأخذه أسيراً ذليلاً وحاول عمر اقناعه دون فائدة وأرسل إلى عمر مجموعة من المقاتلين بقيادة الشمر بن ذي الجوشن وألتقى الجانبان في الطف ( كربلاء) على نهر الفرات.

وحدثت المنازلة بين القلة المؤمنة والكثرة التي يدفعها الطمع وحب الدنيا ومرة أخرى خذل أهل الكوفة رجلاً فذاً من أهل البيت وفي أثناء المنازلة ألتحق الحر ابن زياد الرياحي الأنصاري بجهة الحسين بن علي(ر) وآثر الشهادة والموت على قتل ابن بنت رسول الله(ص) وأهل بيته الشريف وقد منع جيش عبيد الله بن زياد الماء عن الحسين(ر) وأنصاره ووضعوا الجند على شاطئ الفرات فواجه الجمع المؤمن العطش والحر والقتل في وقت واحد وقد عرض الحسين(ر) على أنصاره القلة أن ينسحبوا ليلاً لكنهم أصروا على الدفاع عنه والموت معه، وهكذا سقط الحسين(ر) وأهل بيته وأنصاره واحداً تلو الآخر

وقتل الحسين بن علي(ر) وحُمل رأسه إلى يزيد وحين رأى يزيد الرأس هابه وأخذت رعدة وعنّف ابن زياد على تسرّعه وغضب عليه وأمر بالرأس فذهب به إلى رجاله ولا نعلم يقيناً اين استقر!! فهناك من يقول إنه دفن في دمشق ويوجد اليوم في ذلك المكان مسجد باسم مسجد رأس الحسين ( الأموي) ومن يقول أنه رجع للعراق ودفن مع الجسد في كربلاء وهو قول أهل العراق ومن يقول أنه حمل إلى القاهرة وهو قول المصريين.

ولم ينج إلا علي زين العابدين، ضمته عمته السيدة زينب بنت علي(ر) فامتد منه نسل الرسول(ص) من جهة الحسين وقد خيّر يزيد السيدة زينب بنت علي بعد أن أعرب لها عن أسفه وعدم رضاه على مقتل الحسين(ر) واعتذر لها بأنه لم يأمر الجند بذلك وخيّرها بين الإقامة أوالرحيل فاختارت مصر واستقرت في المكان الذي فيه مسجدها المشهور[21].

 في الحقيقة أن ما حصل بعد عصر الخلافة الراشدة من الفتن والصراع على الحكم يُعد جزءاً مما أشار إليه الحديث الصحيح الذي ورد عن عبد العزيز بن إسماعيل عن سليمان بن حبيب عن أبي أمامة قال: قال رسول الله: ” تنقض عرى الإسلام عروة عروة فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها فأولهن نقضاً الحكم وآخرها الصلاة”[22].

استشهاده (ر) [23]:

قتل الحسين(ر) سنان بن أنس النخعي الأصبحي وجاء برأسه خولى بن يزيد وقتل مع الحسين(ر) من أهل بيته إخوانه العباس وأبو بكر وعثمان وجعفر وعبد الله ومن أولاده علي بن الحسين وعبد الله بن الحسين واستصغر علي الأوسط بن الحسين ( زين العابدين) فلم يقتل وأبو بكر بن الحسن بن علي وعبد الله بن الحسن بن علي والقاسم بن الحسن بن علي ومن آل جعفر وعقيل عون بن عبد الله بن جعفر ومحمد بن عبد الله بن جعفر بن عقيل بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عقيل وعبد الله بن عقيل بن أبي طالب ومسلم بن عقيل وعبد الله بن مسلم بن عقيل وأمه رقية بنت علي بن أبي طالب ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل واستصغر الحسن بن الحسن بن علي وهو الحسن المثنى واستصغر عمر بن الحسن بن علي فلم يقتلا.

ومات عبد الله بن الحسين وهو رضيع وقتل من الموالي سليمان مولى الحسين بن علي(ر) ومنجح مولى الحسين بن علي وكان قتلى أهل البيت 35 وقتلى أتباعهم وأنصارهم 35 قتلوا في هذه الوقعة على أرض كربلاء[24]

والجدير بالذكر أن الله سبحانه لم يترك هذه الجريمة تمر بدون عقاب فقد سلط الله على قتلة الحسين(ر) وأهل بيته من يقتلهم في بضع سنين كما شهدت أرض الكوفة العديد من  الفتن والمذابح استمرت لفترة طويلة جاوزت قرناً من الزمان جزاء الغدر والخيانة التي اتصفوا بها خلال تلك الحقبة وسلط عليهم الحجاج بن يوسف الثقفي الظالم مصداقاً للحديث القدسي: “الظالم سيفي اقتص به واقتص منه” كما حل الغضب الإلهي على يزيد وآله، فلم يستمر حكمه أكثر من أربع سنين، فمات سريعاً ثم انتقل الحكم من ولده إلى بني الزبير ثم إلى بني مروان خلال فترة قصيرة ولم يبارك الله في حكم نبيه.

وكان جيش ابن زياد لمحاربة 20.000 ألف مقاتل فحارب في ذلك الجيش ومعه من أهله نيف وثمانون رجلاً فقتل أكثرهم وثبت في ذلك الموقف ثباتاً باهراً ولولا أنهم حالوا بينه وبين الماء ما قدروا عليه. ” إذ هو الشجاع القرم الذي لا يحول ولا يزول “

كان الحسين بن علي(ر) من أزهد الناس وأعلمهم وحج (ر) 25 مرة ماشياً وبجانبه تقاد بين يديه تواضعاً لله سبحانه وتعالى.


[1] من صدره إلى رجليه- خرجه الترمذي وقال حسن غريب رواه الترمذي 3781 في المناقب وابن حيان في صحيحه 6974

[2] عن كتاب الفصول المهمة في معرفة الأئمة ص 256

[3] المناقب لابن شهرأشوب 3/209

[4] أسد الغابة 2/11 وكشف الغمة 2/216

[5] صحيح الترمذي ج2 ص307 في مناقب الحسن والحسين

[6] كتاب المنتقى في أعقاب الحسن المجتبى وفي كتاب الروضة البهية ص 127 جاء ” وفي رواية كان نقش خاتمه الله بالغ أمره”.

[7] كشف الغمة 2/29

[8] الآية 86 سورة النساء

[9] كشف الغمة

[10] اخرجه الطبراني

[11] أخرجه بن سعد أيضا والطبراني في الكبير

[12] أخرجه منصور بن عماد وذكر غيره أن هذا البيت وجد بحجر قبل مبعثه @ بثلاثمائة سنة 300 وأنه مكتوب في كنيسة من أرض الروم لا يدري من كتبه، وذكر أبو نعيم الحافظ في كتاب دلائل النبوة عن نصرة الأزدية أنها قالت: لما قتل الحسين بن علي أمطرت السماء دماً فأصبحنا وجبابنا وجرارنا مملوءة دماً

[13] البداية والنهاية  ص 8/182-190

[14] البداية والنهاية 8/190

[15] البداية والنهاية 8/191

[16] معجم الطبراني 2867 ورجاله رجال صحاح كما قال البيهقي 9/199

[17] أسر السلسلة العلوية ص30

[18] نسب قريش ص 52

[19] من كتاب النسب والمصاهرة للمدرس ص 262

[20] كتاب النسسب والمصاهرة للمدرس ص 262

[21] بحي السيدة زينب في القاهرة

[22] اخرجه أحمد (5/215) ومن طريق الطبراني في الكبير (7486) وابن بطة في الإبانة الكبرى 4 والحاكم في المستدرك (4/92) وصححه وأخرجه أيضاً محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة (407) وابن حبان (257) موارد.

[23] من كتاب النسب والمصاهرة للمدرس ص 264

[24] ( البداية والنهاية لابن كثير ج 6 ص 230 ) وانظر جمهرة أنساب العرب لابن حزم الأندلسي ص 266

admin

الباحث محمد ماهر بن محمد عدنان بن محمد جميل الصمادي محام ومدرس جامعي خريج جامعات لندن وسويسرا، عمل في شركات دولية ومنظمات الأمم المتحدة في جنيف وكينغستون ودمشق، ومشاريع الاتحاد الأوربي في سورية، له العديد من الأبحاث منها في أنساب عائلة الصمادي.

This Post Has 2 Comments

اترك تعليقاً