سيدنا الإمام الهمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه
رابع الخلفاء الراشدين، هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، يجتمع مع النبي(ص) في الجد الأول وهو عبد المطلب والده أبو طالب[1]، وكان عضد رسول الله(ص)، أخوته طالب وعقيل وجعفر، أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف وكان(ص) يدعوها أمي وقد أسلمت وهاجرت وتوفيت في المدينة ولما توفيت صل عليها ودخل قبرها وترحم عليها ونزع قميصه وألبسها إياه واضجع في قبرها وكان يسميها أماً لأنها ربته(ص)، فكان سيدنا علياً كرّم الله وجهه هاشمي الأب والأم، وقد ولد سيدنا علي كرّم الله وجهه قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح في عام ستمائة ميلادية الموافق لاثنتي عشرة ليلة خلت من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل ولد في بيت الله الحرام إكراماً وتعظيماً له من الله تعالى سبحانه، وهو أصغر اخوته وبينه وبين أخيه طالب ثلاثين سنة، وقد نشأ في بيت النبوة وااقتبس من رسول الله أسمى الصفات وتعلم مكارم الأخلاق وعندما أوحى الله إلى نبيه بالرسالة كان علي أول من أسلم من الصبيان وهو ابن عشر سنين وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وهو أول من صلى، قال رسول الله(ص) أول من صل علي بن أبي طالب وقال الحسن بن زيد لم يعبد الأوثان قط لصغره.
ويكنى سيدنا علي كرّم الله وجهه بأبي الحسن وهو أكبر أولاده وكان يسميه النبي(ص) بأبي تراب، رباه النبي فجمع الله له أسباب الخير في ذلك، وشهد مع النبي(ص) المشاهد كلها إلا غزوة تبوك، فقال له النبي(ص) بسبب تأخيره له بالمدينة قال له(ص):” ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى عليهما السلام ؟ غير أنه لا نبي بعدي”. زوجه الرسول(ص) ابنته فاطمة الزهراء(ر) واختار لهما النبي(ص) منزلاً بجواره فكان جواراً هنيئاً سعيداً.
كان أول مولود للإمام علي عليه السلام هو الأمام الحسن والثاني هو الأمام الحسين والثالثة هي زينب والرابعة هي أم كلثوم عليهم السلام. وكان اللواء بيده في أكثر المشاهد ومناقبه كثيرة يغلب فيها الشجاعة والفروسية والإقدام والقضاء مكان للحق مسلطاً على أعداء الله ورسوله من الكفار والمشركين[2]، وهو بحق أحد الأعمدة الشامخة التي حملت صرح المجد الإسلامي في استهلاله المليء بالجهاد والحروب والكروب والامتحان الأنفس الصابرة، لقد أدى سيدنا علي(ر) ما عليه باكثر مما يراد منه وعاش حياة الرعية وأقل من الرعية رغداً ورفاهية بل عاش حياة الكفاف على ما رخص ثمنه وتوفر جوده، ولبس من الثياب الخشن، لقد كان إماماً وقدوة كرّم الله وجهه، فكان بطلاً في المعارك وسيفه آية الحق حين تصرع الصناديد من الكفار وآخاه رسول الله(ص) مرتين، فإن رسول الله(ص) آخى بين المهاجرين والأنصار ثم آخى بن المهاجرين والأنصار بعد الهجرة وقال لعلي كرّم الله وجهه في كل واحدة منهما أنت أخي في الدنيا والآخرة، وكان مثالاً بارزاً في الزهد والتقشف والدعوة إليهما فقال لعمر(ر): “إذا أردت أن تلقى صاحبك فرقع قميصك، واخصف نعلك وقصر أملك وكل دون الشبع، وقد عاش، وقد عاش سيدنا علي كرّم الله وجهه في أحضان رسول الله(ص) فتعلم من الخشية من الله سبحانه وتعالى وتعلم الزهد في الحياة وزخارفها.، وقد قال ابن عينية: أنه كان أزهد الصحابة وشهد له الإمام الشافعي(ر) بأنه كان عظيماً في الزهد وقد صور الإمام على حال مجاهدته لنفسه قائلاً: “ما أنا ونفسي إلا كراع أغنام، كلما ضمها من جانب انتشرت من جانب”.
يقول الطوسي في اللمع: “ولأمير المؤمنين علي كرّم الله وجهه خصوصية من بين الصحابة بمعاني جليلة، واشارات لطيفة وكثير من الأحوال والأخلاق والأفعال التي يتعلق بها أرباب القلوب وأهل الاشارات من الصوفية”، ولما سئل سيدنا علي كرّم الله وجهه عن المعرفة قال: “عرفت الله بالله، وعرفت ما دون الله بنور الله، وأعلم أنه لا هادي للعبد ولا شارح لقلبه في الحقيقة غير الله”، وقد نقل ابن الجوزي عنه في كتاب الصفوة قوله: ” يا إخوتاه ألا تبكون شوقاً إلى الله، ألا أنه من بكى شوقاً إلى سيده لم يحرمه النظر إليه، يا إخوتاه ألا تبكون خوفاً من النار ألا من بكى خوفاً من النار أعاذه منها، يا إخوتاه ألا تبكون؟ بلى فابكوا على الماء البارد أيام الدنيا لعله يسقيكموه في حظائر القدس مع خير الندماء والأصحاب والبنين والصديقين والصالحين وحسن أولائك رفيقاً”.
روى البخاري بسنده عن شعبة عن الحكم عن مصعب بن سعد عن أبيه: أن رسول الله(ص) خرج إلى تبوك واستخلف علياً، فقال: أتخلفني في الصبيان والنساء، قال: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه ليس نبي بعدي[3]
وروى مسلم في صحيحه بسنده عن سعيد بن المسيب عن عامر بن سعد بن وقاص عن أبيه قال : قال رسول الله(ص) لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي، قال سعيد: فأحببت أن أشافه بها سعدا، فلقيت سعدا، فحدثته بما حدثني عامر، فقال: أنا سمعته، فقلت : أنت سمعته، فوضع إصبعيه على أذنيه، فقال: نعم، وإلا فاستكتا[4].
لقد كان سيدنا علي كرّم الله وجهه غريق بحر البلاء، وحريق نار الولاء وقدرة الأولياء والأصفياء وكان يقال عنه: أنه إذا جاء وقت الصلا ة يتزلزل ويتغير لونه فيقال له: ما لك يا أمير المؤمنين؟ فيقول كرّم الله وجهه: “جاء وقت أمانة عرضها الله تعالى على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها واشفقن منها وحملها الإنسان فلا أدري أُحسن أداء ما احتملت، أم لا؟[5]
وكان يقول: ” القلوب أوعية وغيرها أوعاها”، ويقول كرّم الله وجهه: التقوى هي ترك الإصرار على المعصية وترك الاغترار بالطاقة”.
وقال سيدنا علي كرّم الله وجهه: ” طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس وطوبى لمن لزم بيته وأكل قوته واشتغل بطاعته وبكى على خطيئته فكان من نفسه في شغل والناس منه في راحة”. ومن أقواله كرّم الله وجهه أيضاً:” لا خير في عبادة لا فقه فيها ولا خير في قراءة لا تدبير فيها”.
وقال جميّع بن عمير:” دخلت على السيدة عائشة(ر) فقلت لها: أخبريني من كان أحب الناس إلى رسول الله(ص) قالت فاطمة: فقلت إنما أسألك عن الرجال: قالت زوجها، فوالله لقد كان صوّاماً قوّاماً ولقد سألت نفس رسول الله(ص) في يده فردها إلى فيه فقلت: ما حملك على ما كان فأرسلت خمارها على وجهها وبكت وقالت: أمر قضي علي”.
وقال معاوية لضرار بن حمزة الكناني: “صف لي علياً، فاستعفى، فألح عليه، قال: أما إذن فلا بد إنه والله كان بعيد المدى شديد القوى، يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير العبرة، طويل الفكرة يقلب كفه ويعاقب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، وكان والله يجيبنا إذا سألناه ويأتينا إذا دعوناه ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة له، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، ولا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس من عدله فأشهد الله لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه وقد مثل في محرابه قابضاً على لحيته يتململ تململ الخائف أو الحيران ويبكي بكاء الحزين فكأني الآن اسمعه يقول: ” يا دنيا إلى تعرضت أم إليّ تشوقت هيهات هيهات غيري غيري لقد انبتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك فعمرك قصير وعيشك حقير وخطرك كبير، آه من قلة الزاد ووحشة الطريق وبعد السفر قال:” فوكفت دموع معاوية حتى ما يملكها على لحيته وهو يمسحها وقد اختنق القوم بالبكاء”. فقال معاوية: “رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟، قال: حزني عليه حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقأ عبرتها ولا تسكن حيرتها ثم قام فخرج،”.
ومن إحدى خطبه كرّم الله وجهه قال فيها: “عباد الله الموت الموت ليس منه فوت، إن أقمتم أخذكم وإن فررتم منه أدرككم الموت، معقود بنواصيكم فالنجا النجا، والوها الوها، فإن وراءكم طالباً حثيثاً، وهو القبر ألا ولإن القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار، الا وإنه يتكلم في كل يوم ثلاث كلمات فيقول: أنا بيت الظلمة، أنا بيت الوحشة، أنا بيت الديدان، ألا وإن وراءكم ذلك اليوم يوم أشد منه يوماً يشيب فيه الصغير، ويسكر فيه الكبير، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، ألا وإن وراء ذلك اليوم يوماً أشد منه، فيه نار تتسعر، حرصاً شديداً وقعرها بعيد، وحليها حديد وماؤها صديد، ليس لله فيها رحمة، قال: فبكى المسلمون بكاء شديداً، ثم قال: وإن وراء ذلك اليوم جنة عرضها كعرض السموات والأرض أعدت للمتقين، أدخلنا الله وأياكم دار النعيم وأجارنا وإياكم من العذاب الشديد.
ثناء الصحابة والتابعين على سيدنا علي كرّم الله وجهه:
كان الجنيد(ر) يقول: “أمير المؤمنين سيدنا علي كرّم الله وجهه لولا انشغاله بالحروب لأفادنا من علمنا هذا معاني كثيرة، ذلك امرؤ أعطي العلم اللدّني، وهو العلم الذي خص به سيدنا الخضر عليه السلام”.
وقد روي عن ابن اسحق أن عبد الله كان يقول أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، وقال في حقه سيدنا عمر بن الخطاب(ر): علي أقضانا”.
أخرج ابن سعد عن أبي هريرة(ر) قال: قال سيدنا عمر بن الخطاب(ر): “علي أقضانا”. واخرج سعيد بن المسيب قال: كان عمر بن الخطاب(ر) يتعوذ بالله من معضلة ليس لها إلا أبو الحسن يعني علياً، وفي رواية قال: لولا علي لهلك عمر، وأخرج عنه قال:” لم يكن أحد من الصحابة يقول سلوني إلا علي كرّم الله وجهه. وأخرج ابن عساكر عن ابن مسعود قال: “أرض أهل المدينة وأقضاها علي”، وذكر عند عائشة(ر) فقالت: “إنه أعلم من بقي من السنة “
لقد نزل في سيدنا علي كرّم الله وجهه ثلاثمائة آية[6].
أخرج أبو يعلى عن أبي هريرة قال: “قال عمر بن الخطاب(ر): لقد أعطي علي ثلاث: لأن تكون لي خصلة منها أحب إليّ من حمر النعم، فسئل ما هي: فقال: تزويجه ابنته، وسكناه في المسجد لا يحل فيه ما يحل له، والراية يوم خيبر “.
وقيل لعلي كرّم الله وجهه: كيف كان حبكم لرسول الله(ص) قال: ” كان رسول الله(ص) أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمآن”، وقال الصديق(ر): “راقبوا محمداً في آل بيته”، وقال: ” والذي نفسي بيده لقرابة محمد(ص) أحب إليّ من قرابتي”، وكما قال سيدنا علي كرّم الله وجهه لسائل كان قد سأله: ” ما أطهر الكسب ؟ قال: غناء القلب بالله عز وجل”[7].
نومه كرّم الله وجهه في فراش الرسول (ص):
عندما نام أمير المؤمنين علي كرّم الله وجهه على فراش النبي(ص)، خرج النبي (ص) مع أبي بكر(ر) من مكة ودخلا الغار وقصد الكفار في تلك الليلة قتل النبي (ص) قال الله سبحانه وتعالى لجبريل وميكائيل، قد آخيت بينكما وجعلت أحدكما أطول عمراً من الآخر، فأيكما يؤثر أخاه على نفسه بالحياة ويختار الموت؟ فاختار كلاهما الحياة، فقال الله سبحانه وتعالى: لجبريل وميكائيل: لقد رأيتما شرف علي وفضله عليكما إذ آخيت بينه وبين رسولي، فاختار لنفسه القتل والموت ونام مكانه، وجعل روحه فداء لرسول الله(ص) وآثره على نفسه بالحياة بهلاكه فاذهبا الآن إلى الأرض واحفظاه من الأعداء.
عندئذ جاء جبريل وميكائيل وجلس أحدهما عند رأسه والآخر عند قدميه، وقال جبريل: بخ بخ! من مثلك يا بن أبي طالب لأن الله سبحانه وتعالى يباهي بك على ملائكته، وعندئذ نزل قوله سبحانه وتعالى فيه: ” ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد”[8]
عدد أولاده:
أكثر الروايات تقول: “من فاطمة الزهراء(ر): الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب ومحسن” 36 ستة وثلاثون ولداً ثمانية عشر ذكور وثمانية عشر اناث، ومات من أولاده في حياته 6 ذكور، وورثه منهم 13 وقتل منهم بالطف 6 ستة والله أعلم ةالعقب من أمير المؤمنين في خمسة رجال هم: الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية والعباس شهيد الطف وعمر الأطرف.
جهاده كرّم الله وجهه:
يقال بأنه نادى ملك من السماء يوم أحد: ” لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي”.
اشتدت المعارك وحمي وطيسها في خيبر وقاتل المسلمون قتالاً عنيفاً وشرساً دون أن يكون لهم الفتح فقال رسول الله(ص): “لاعطين هذه الراية غداً إلى رجل يفتح الله عليه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله ” فبات الناس يذكرون أيهم يعطاها، ولما أصبحوا غدوا على رسول الله (ص) وكلهم يرجو أن يعطاها، فقال(ص): ” أين علي بن أبي طالب ” فقيل: يا رسول الله إنه مريض يشتكي عينه.، فقال(ص) “أرسلوا إليه، فأتي به، فبصق رسول الله (ص) في عينه ودعا له، فبرئ حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية، ففتح الله على يده”.
وفي غزوة الخندق خرج من المشركين عمرو بن ود، وقال: من يبارز ؟ فبرز له علي كرّم الله وجهه، فقال له عمرو: ” ارجع يا بن أخي فإني لا أحب أن أقتلك”، فقال له علي كرّم الله وجهه: “ولكني والله أحب أن أقتلك، فتبارزوا فقتله علي وقضى عليه”.
سخاء علي (ر) وكرمه:
مرض الحسن والحسين(ر) فتألم الأبوان لمرضهما ونذرا نذراً لله صوم ثلاثة أيام إن شفاهما الله سبحانه وتعالى، فلما شفاهما الله عز وجل وفيا بنذرهما، ولم يكن عندهما سوى طعام العشاء، فمرّ بهما في اليوم الأول مسكين، فبذلا له عشاؤهما، وفي اليوم الثاني طاف عليهما يتيم، فاعطياه طعامهما، وفي اليوم الثالث جاء إليهما أمير المؤمنين فناولاه عشاؤهما، ولم يذوقا إلا الماء ثلاثة أيام فأنزل الله عز وجل فيهما هذه الآيات: “يوفون بالنذر وثمانون يوماً كان شره مستطيرا، ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا، نطعمك لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً، وأنما نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً، فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسروراً، وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً[9].
علمه وفقهه (ر):
كان سيدنا علي كرّم الله وجهه من كبار علماء الصحابة وأشهرهم فقهاً، يتمتع برأي سديد ونظر بعيد وحكم صائب وموفق وكان كثيراً من الصحابة يرجعون إليه في مسائل الفقه والقضاء وقد أرسله(ص) قاضياً إلى اليمن لما كان يتمتع به من ذكاء حاد وحسن أدبي فكري قلّ نظيره”.
سُئل الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه: ما أعظم جنود الله؟ قال: إني نظرت إلى الحديد فوجدته أعظم جنود الله… ثم نظرت إلى النار فوجدتها تذيب الحديد فقلت النار أعظم جنود الله…ثم نظرت إلى الماء فوجدته يطفئ النار فقلت الماء أعظم جنود الله… ثم نظرت إلى السحاب فوجدته يحمل الماء فقلت السحاب أعظم جنود الله…. ثم نظرت إلى الهواء وجدته يسوق السحاب فقلت الهواء أعظم جنود الله….ثم نظرت إلى الجبال فوجدتها تعترض الهواء فقلت الجبال أعظم جنود الله…. ثم نظرت إلى الإنسان فوجدته يقف على الجبال وينحتها فقلت الإنسان أعظم جنود الله… ثم نظرت إلى ما يُقعد الأنسان فوجدته النوم فقلت النوم أعظم جنود الله… ثم وجدت أن ما يُذهب النوم فوجدته الهم والغم فقلت الهم والغم أعظم جنود الله… ثم نظرت فوجدت أن الهم والغم محلهما القلب فقلت القلب أعظم جنود الله… ووجدت هذا القلب لا يطمئن إلا بذكر الله فقلت أعظم جنود الله… قال الله تعالى: “الذين أمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب[10]“
الخليفة الرابع[11]: خلافة أمير المؤمنين علي كرّم الله وجهه
بقيت المدينة المنورة خمسة أيام بعد مقتل عثمان وأميرها الغافقي بن حرب وكان الثائرون يلتمسون من يجيبهم إلى القيام بهذا الأمر فلا يجدون، يأتي المصريون علياً فيختبئ منهم ويلوذ بحيطان المدينة فإذا لقوه باعدهم وتبرأ من مقالتهم مرة بعد مرة، ولما اجتمع لهم أهل المدينة قال لهم أهل مصر: “أنتم أهل الشورى وأنتم تعقدون أمركم على الامة، فانظروا رجلاً تنصبونه ونحن لكم تبع”، فقال الجمهور: “علي بن أبي طالب(ر) نحن له راضون”[12] وبويع علي يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة [13]وخطب أول خطبة له حين استخلف فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: “إن الله عز وجل أنزل كتاباً هادياً بيّن فيه الخير والشر فخذوا بالخير ودعوا الشر، الفرائض أدوها لله سبحانه يؤدكم إلى الجنة، إن الله حرّم حرماً غير مجهولة وفضل حرمة المسلم على الحرم كلها، وشدّ بالاخلاص والتوحيد للمسلمين، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده إلا بالحق، لا يحل أذى المسلم إلا بما يجب، بادروا أمر العامة وخاصة أحدكم الموت فإن الناس أمامكم وإن من خلفكم الساعة تحدوكم، تخففوا تلحقوا فإنما ينتظر الناس أُخراهم، اتقوا الله عباده في عباده وبلاده أنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم، أطيعوا الله عز وجل ولا تعصوه، وإذا رأيتم الخير فخذوا به، وإذا رأيتم الشر فدعوه، قال الله تعالى شأنه: “وأذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض”[14]
لما استشهد سيدنا عثمان بن عفان(ر) وبايع كبار الصحابة علياً كرّم الله وجهه بالخلافة حيث استلم الخلافة 17 ذي الحجة سنة 35هـ وكان من بين المبايعين طلحة بن الزبير وقد خرجوا جميعاً مع السيدة عائشة(ر) إلى البصرة يطالبون بدم عثمان ويظنون أن علياً كرّم الله وجهه قد تساهل مع قتلة عثمان ولم يحاكمهم وأن هؤلاء القتلة ما زالوا منضمين إلى جند علي كرّم الله وجهه، أما علي كرّم الله وجهه فكان رأيه أن يؤخر القصاص من قتلة عثمان حتى يتم إجماع الناس على خليفتهم وتتفق كلمتهم وكانت فتنة عظيمة مما جعل علياً يخشى على هيبة الدولة فاضطر إلى ملاقاة القوم في في موقعة الجمل التي انتهت بالنصر لعلي(ر) وقتل طلحة والزبير على يد بعض المتطرفين ممن كانوا يطالبون بدم عثمان وأرسل علي أم المؤمنين عائشة(ر) إلى مكة مع أخيها محمد بن أبي بكر ثم انصرف إلى الكوفة وسكن فيها.
يقول الإمام علي بن ابى طالب كرّم الله وجهه: “المعرفة رأس مالى والعقل أصل دينى وذكر الله انيسى والثقه كنزى والعلم سلاحى والصبر ردائى والصدق شفيعى والطاعة حبى والجهاد خلقى”
ولما ولّي علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه الخلافة وقعت له عدة معضلات ومصائب ومآسي أولها مجيئ المطالبين بدم عثمان بن عفان(ر) وفيها طلحة والزبير والذين اشترطوا إقامة الحدود حين البيعة ويجيئون للإمام علي يسألونه الاقتصاص للخليفة المقتول فيقوللهم يا إخوتاه، إني لست أجهل ما تعلمون ولكني كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم ثم يقول ها هم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم، أعرابكم وهم خلالكم يسومونكم ما شاؤوا، ثم يسأل مخاطبيه هل ترون موضعاً لقدرة على شيئ مما تريدون؟ فيقولون: لا”، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: “كان رأي الإمام علي أنهم يدخلون في الطاعة ثم يقوم وليّ دم عثمان فيدّعي به عنده، ثم يعمل معه ما يوجبه حكم الشريعة المطهرة وكان من خلفه يقول له: تتبعهم واقتلهم، فيرى أن القصاص بغير دعوى، ولا إقامة بينة لا يتجه كل من الفريقين مجتهد”[15].
معركة صفين:
حدثت موقعة صفين عندما رفض معاوية بن أبي سفيان أن يبايع علياً كرّم الله وجهه وكان والياً على الشام ومطالباً بدم عثمان فخرج معاوية ومن معه من الشام على علي كرّم الله وجهه ولما بلغ علياً ولما بلغ علياً الخبر سار إليه والتقى الجيشان في معركة صفين وتقاتل الطرفان أياماً ولما مالت كفة القتال لصالح علي كرّم الله وجهه رفع أهل الشام المصاحف يدعون إلى التحكيم فتصالح الطرفان وجعلوا بينهم حكاماً على أن يقضوا بينهم، ثم افترق الناس، وعاد معاوية إلى الشام ورجع علي كرّم الله وجهه إلى الكوفة ولكن فرقة من أصحاب علي خرجت على جيش علي كرّم الله وجهه ولم يعجبها التحكيم فسميت بالخوارج وقالوا: “لا حكم إلا الله” مما أدى إلى انشقاق جيش علي كرّم الله وجهه وخروج طائفة منه عليه وراحوا يعيثون في الأرض فساداً فحاول علي كرّم الله وجهه ردهم بالحسنى فأبوا إلا القتال فقاتلهم علي كرّم الله وجهه وقضى على أكثرهم وكان ذلك سنة 38 هجرية.
كان سيدنا علي كرّم الله وجهه أبرز أهل البيت وأقربهم وأحبهم إلى النبي(ص) وأبو السبطين الحسن والحسين الذين فيهما نسل النبوة الطاهرة ومن عقبه أزهرت السلاة الحسنية والسلالة الحسينية وانتشر أحفادهما في الأرض والعالم الاسلامي حتى اليوم، وكان له من الولد الحسن والحسين وزينب الكبرى وأم كلثوم الكبرى وأمهم فاطمة بنت محمد رسول الله(ص) ومحمد بن النيفة وأمه خولة بنت جعفر.
وقصة تسري علي كرّم الله وجهه بخولة الحنفية تعود إلى حروب الردة في زمن أبي بكر(ر) ومعركة اليمامة التي قضى فيها المسلمون على مسيلمة الكذاب وفتنته وهنا أخذ سيدنا خالد بن الوليد إلى أبي بكر(ر) وقد تسري علي بن أبي طالب(ر) بجارية منهم وهي أم ابنه محمد الذي يقال له ابن الحنفية.
إن هذه الحادثة التاريخية وقبول سيدنا علي كرّم الله وجهه هدية سيدنا أبي بكر(ر) وتسرية بتلك الجارية لها أهمية قصوى في قفص أوهام من قال بعدم شرعية خلافة الصديق وحروب الردة من أهل الغلو والتطرف وأنه اغتصب الخلافة من الامام علي كرّم الله وجهه، إذ لو كان كذلك لما جاز له أن يتسرى بتلك المرأة لأنها نتاج خلافة غير شرعية، ويقتضي ذلك أن كل ما يتصل بتلك الحقبة ليس له أساس شرعي بضمنه حروب الردة وما نتج عنها من السبي وتسري الصحابة بنساء السبي تلك وهي كذلك رداً على من أدعى أن الردة هي ثورة اسلامية على الخليفة المغتصب وغيرذلك من الأوهام والضلال الطائفي.
ولكن الحقيقة التاريخية عكس ذلك مما يؤكد إيمان علي كرّم الله وجهه وأصحابه بشرعية خلافة الصديق وقبول هداياه، بل إن ذلك التسري انتج ذرية مباركة كان لها دور كبير في الأحداث التاريخية المقبلة، وعن جعفر بن محمد الباقر بن علي عن أبيه قال: ” إن علياً تختم في اليسار وقال: كان نقش خاتم علي(ر) الله الملك”، لم يعبد الأوثان قط لصغره، وعن عاصم بن عمر بن قتادة قال:” آخى رسول الله(ص) بين علي كرّم الله وجهه وسهل ابن حنيفة وفي تخلفه عن غزوة تبوك، وخلف علياً في أهله فقال بعض الناس، ما منعه أن يخرج به إلا أن كره صحبته، فبلغ ذلك علياً فذكره للنبي (ص) فقال: أيا ابن أبي طالب أما ترضى أن تنزل مني بمنزلة هارون من موسى؟ وفي رواية، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي رواه أصحاب السنن وابن سعد وغيره.
ويروى أنه في مقتله يروى الفضل بن دكين عن أبي الطفيل، قال: “دعا على الناس إلى البيعة، فجاء عبد الرحمن بن ملجم المرادي فرده مرتين، ثم أتاه فقال: ما يحبس أشقاها، لتخضبن هذه من هذا يعني لحيته من رأسه وعن أبي بحلز قال: جاء رجل من مراد إلى علي وهو يصلي في المسجد فقال: احترس فإن أناساً من مراد يريدون قتلك، فقال: إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدّر فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه وإن الأجل خبة حصينة”. وقال سيدنا علي كرّم الله وجهه حين ضربه ابن ملجم وقبض عليه إنه أسير فأحسنوا نزله وأكرموا مثواه فإن بقيت قتلت أو عفوت وإن مت فاقتلوه قتلي ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين” ودفن سراً في مكان خارج الكوفة حتى اكتشف قبره هارون الرشيد الخليفة العباسي وبنى له القبر المعروف الآن في مدينة النجف.
وعن عمرو بن الأصم قال: دخلت على الحسن بن علي وهو في دار عمرو بن حريث فقلت له: إن أناساً يزعمون أن علياً يرجع قبل يوم القيامة، فضحك الحسن(ر) وقال سبحان الله لو علمنا ذلك ما زوجنا نساؤه ولا ساهمنا ميراثه وحين وصل نعي الإمام علي كرّم الله وجهه إلى المدائن، قال عبد الله بن سبأ لمن نعاه، كذبت والله ولو جئتنا برأسه في سبعين صرة ما صدقناك، وأنه سيرجع إلينا”.
إن تسمية أهل البيت وعلى رأسهم سيدنا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه بأسماء الصحابة من المعالم المهمة التي تؤكد أواصر المحبة والأخوة بينهم بعدم أخوة الإيمان والجهاد المشترك وأخوة النسب والمصاهرة وإن هذه المعالم الثلاثة[16] موجودة في كتب الفريقين ولا تحتاج إلى دليل سوى دليل إخراجها من مصادرها واستعراضها ليراها المسلم بأم عنيد فتسقط بذلك كافة الأخبار والروايات المكذوبة التي دسها الغلاة لتشويه صفحات تراثنا الخالد وأمجاد جيل النبوة الذي أراده الله سبحانه وتعالى قدوة وأسوة للمسلمين على مدار التاريخ وفي موضوع التسمية بأسماء الصحابة نقتطع بعض الأخبار من الكتب الشيعية المعتمدة للتدليل على تلك الصورة المشرقة فقد كان من حب أهل البيت لأبي بكر الصديق والتواد الذي بينهم أنهم سمّوا أبنائهم بأسماء أبي بكر(ر) أولهم علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه حيث سمى أحد أبناءه بأسم أبي بكر.
يذكر الشيخ المفيد في كتابه الإرشاد في الصفحة 186 عن أولاد علي(ر) ومنهم أبو بكر وعبد الله الشهيدان مع أخيهما الحسين بالطف أمهما ليلى بنت مسعود الدرامية[17]، والجدير بالذكر أنه ولد له هذا الولد بعد توليته الخلافة والإمامة أي بعد وفاة سيدنا أبي بكر(ر) وفي ذلك دليل قاطع على حب ومؤاخاة وتعظيم وتقدير من سيدنا علي للصديق(ر) ولا يوجد من بني هاشم رجل قبل علي سمى اسم ابنه بهذا الاسم وكذلك سمى الحسن بن علي(ر) أحد أبنائه بهذا الاسم كما ذكره اليقين[18] وكذا الحسين كما يذكر المؤرخ الشيعي المسعودي في[19] وكان زين العابدين بن علي يكنى بأبي بكر أيضاً[20]، وسمى الحسن المثنى بن الحسن السبط} أحد أبناءه ابا بكر كما رواه الأصفهاني (إن ممن قتل مع ابراهيم بن الحسن المثنى في البصرة وكان أبو بكر بن الحسن بن الحسن[21] وكذلك سمي الإمام موسى الكاظم أحد أبنائه أبا بكر[22]، ويروي الأصفهاني أن علي الرضا هو أيضاً كان يكنى بأبي بكر فيقول: عن أبي الصلت الهروي أنه قال: سألني المأمون يوماً عن مسألة، فقلت فيها أبو بكرنا، فقال لي ابن مهران: من أبو بكركم، فقال: علي بن موسى الرضا كان يمكن بها[23] والجدير بالذكر أن موسى الكاظم سمى أحد بناته باسم بنت الصديق عائشة كما ذكر المفيد[24]، كما سمى أبو جعفر الصادق وكذلك جده زين العابدين بن علي إحدى بناته عائشة[25]، وكذلك الإمام علي الهادي يقول المفيد: وتوفي أبو الحسن(ر) في رجب سنة 254 هـ ودفن في داره بسر من رأى وخلف من الولد أبا محمد الحسن ابنه وابنته عائشة[26]، وقد سمى كثير من الهاشميين أيضاً أسماء ابنائهم بأسماء الصحابة كآل جعفر وآل العسكري وغيرهم[27] وفي ذلك بعض معالم الحب والود بين أهل البيت والصحابة خلاف ما يزعمه الأعداء من العداوة والبغضاء والقتال والجدال الدائم بينهم.
أما تسمية أهل البيت بعمر الفاروق فقد انتشرت في المصادر المعتمدة لدى الفريقين ونقتصر هنا على بعضها في كتب الإمامية ليتضح من خلال هذه السجية لدى أهل البيت وهي تسمية أبنائهم باسم الفاروق مدى حبهم وإعجابهم بشخصه وتقديرهم لما أتى به من الأفعال الطيبة والمكارم العظيمة ولما قدم إلى الاسلام من الخدمات الجليلة وإقراراً بالصلات الودية الوطيدة التي تربطه بأهل بيت النبوة والرحم والصهر القائم بينه وبينهم فأول من سمى ابنه باسمه الإمام علي بن أبي طالب وأمه التغلبية التي أهداها الخليفة أبو بكر له[28]، وقد ذكر المجلي أن عمر بن علي(ر) كان من الذين استشهدوا مع الحسين في كربلاء بينما يذكر ابن عتبة والأربلي وصاحب الفصول المهمة أن عمر من التغلبية التي سباها خالد(ر) بعين التمرة، وعمّر عمر هذا حتى بلغ خمس وثمانين سنة فحاز نصف ميراث علي(ر) وذلك أن جميع اخوته وهم عبد الله وجعفر وعثمان قتلوا بالطف يعني أنه لم يقتل معهم فورثهم، ويبدو أن عمر بن علي كرّم الله وجهه الثاني هو الذي مات مبكراً في الطف أو غيرها، وقد سمى الحسن بن علي(ر) أحد أبنائه عمر[29] وقد اختلفوا فيه أنه قتل مع الحسين أم أسر ويرى الأصفهاني أنه أسر مع بقية أهله وكذلك سمى الحسين بن علي كرّم الله وجهه أحد أبنائه باسم عمر[30]، وذكره الأصفهاني بأن عمر من أشقاء زيد بن علي أمهما أم ولد أهداها المختار بن أبي عبيد لعلي بن الحسين[31] والجدير بالذكر أن كثيراً من أولاد عمر بن علي بن الحسين } قد خرجوا على العباسيين مع من خرج من أبناء عمومتهم[32]، وكذلك سمى موسى الكاظم أحد أبناءه باسم عمر كما ذكره الأربلي تحت عنوان أولاده[33] وبعد هؤلاء الأئمة من أهل البيت جرى هذا الاسم في أولادهم، كما ورد ذكر أولئك في كتب الأنساب والتاريخ والسير، وأورد بعضاً منها الأصفهاني[34]، أما التسمية بعثمان فلم تكن أقل وضوحاً من التسمية بأبي بكر وعمر رغم التنافس الأموي العلوي على الحكم والخلافة بل كانت إضافة إلى التسمية بعثمان الكثير من المصاهرات بين بني عثمان والأمويين عموماً وبين العلويين والهاشميين عموماً، أما تسمية الصحابة وأبنائهم بأسماء أهل البيت وفي مقدمة هذه الاسماء علي والحسن والحسين والعباس وفاطمة وزينب وأم كلثوم، فأشهر من أذكر وهكذا نرى أن هذه القضية التي تبدو جانبية في تراثنا، تعطي لنا صورة مشرقة تبدد ظلمات الطائفية والتعصب الأسود.
ومن هنا بدأت مدرسة الغلو والتطرف في تقديس الإمام علي[35] وبنيه من بعده ولا علاقة لتلك العقائد الدخيلة بالتشريع ولا بالتسنن الّذين ما هما إلا وجهان لحقيقة واحدة هي الإسلام الأصيل ممثلة برفض الباطل والانحراف والظلم وبناء الحق وكيانه الصافي من الدنس والرجس وهدم الباطل والانحراف وإقامة دولة الحق والعدل.
وقد نهج عبد الله بن الزبير ومحمد ذو النفس الزكية وغيرهم من أبناء أهل البيت والصحابة وتابعوهم بإحسان إلى يوم الدين من العلماء والفقهاء هذا النهج عينه فكانوا بحق منارات وقمماً في تاريخ الإسلام وحفظ بهم الاسلام منهجاً وسلوكاً وقد كان التسنن والتشيع صنوين لا يفترقان يشكلان جوهراً واحداً وأمة واحدة حتى عصر المتوكل العباسي وما بعده بقليل، فبعد منتصف القرن الثالث الهجري حين تفشت في المجتمع الاسلامي عقائد الغلو والانحراف والخرافة والأساطير وافترق المسلمون إلى طوائف وفرق وظهر إلى الوجود ما يميز بين المسلمين بعد اندحار حكم المعتزلة وفكرهم في العصر العباسي الثاني فكثرت الفرق ذات العقائد والافكار البعيدة والباطنة المتسمة بالتطرف والغلو حيناً وبالطائفية والشعوبية والحقد على العروبة والاسلام حيناً آخر.
وبالنظر إلى كتاب تاريخ المذاهب الاسلامية وكتاب أحمد بن خليل للشيخ محمد أبو زهرة وكتاب وعاظ السلاطين للدكتور علي الوردي، يتأكد لنا أن اسم أهل السنة والجماعة واسم الشيعة بمعناه الطائفي ظهر بعد انتصار المتوكل على تيار المعتزلة وأهل البدع الذين روجوا لفكرة خلق القرآن وفتنوا المسلمين أكثر من ثلاثين سنة في عهد المأمون ثم المعتصم ثم الواثق، وكان الإمام أحمد بن حنبل في طليعة الذين سجنوا وعذبوا وفتن وقتل معه الكثير من العلماء حتى جاء المتوكل العباسي في نهاية العصر العباسي الاول وقضى على هذه البدعة، ثم تطور ذلك بعد أن ورث الروافض الكثير من أفكار المعتزلة وفلسفتهم، ولذا فإن تسمية الفترة الاسلامية التي سبقت عصر المتوكل بالعصر المشترك تتفق مع تلك الحقائق التاريخية علماً بأن العصر المشترك قد شاع فيه أيضاً بعض المصطلحات كأسم التشيع الذي قصد به المعنى السياسي فحسب وكذلك أهل السنة أو الحديث والمقصود به العلماء الذين اهتموا أو تخصصوا في مجال الحديث النبوي وهكذا، ولذا نرى أن تراث العصر المشترك ورجاله وعلماءه يخص كلا الفريقين في كثير من الأحيان.
مناقب سيدنا علي كرّم الله وجهه[36]:
جاء في الإصابة أن الرسول(ص) قال لبني عمه: أيكم يواليني في الدنيا والآخرة فأبوا فقال علي أنا، فقال رسول الله(ص) إنه وليي في الدنيا والآخرة، وعن ابن عباس(ر): أن النبي(ص) قال لعلي: أنت أخي وصاحبي[37]، وروت طائفة من الصحابة أن رسول الله (ص) قال لعلي كرّم الله وجهه: “لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضنك إلا منافق”، وكان علي كرّم الله وجهه يقول: “والله إنه لعهد النبي الأمي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق”[38]، وقال الأعمش عن سعد بن عبيدة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله:” مَنْ كُنْت مَوْلَاهُ فِعْلِيٌّ مَوْلاهُ[39]“
منزلة سيدنا علي كرّم الله وجهه:
منزلة سيدنا علي كرّم الله وجهه من رسول الله(ص): عن سعد بن أبي وقاص(ر) أن النبي(ص) قال لعلي كرّم الله وجهه: “أنت مني بمنزلة هارون من موسى لا لأنه لا نبي بعدي”[40] وأخرج الإمام أحمد منه حديث أم سلمة سمعت رسول الله(ص) يقول: “من سب علياً فقد سبني”[41] وأخرج مسلم من حديث علي كرّم الله وجهه قال: “والذي خلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي(ص) أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضنك إلا منافق”[42] وجاء في صحيح بخاري أن رسول الله(ص) قال لعلي كرّم الله وجهه : “أنت مني وأنا منك”[43].
شجاعته وبطولته كرّم الله وجهه:
كان أول مواقفه البطولية يوم هجرة النبي(ص) إلى يثرب، فقد اجتمعت قريش في دار الندوة واتفقوا على أن يؤخذ من كل قبيلة فتى شاباً صاحب جلادة ونسب، فيهاجموا رسول الله(ص) ويضربوه ضربة رجل واحد وبذلك يتفرق دمه في القبائل جميعاً فلا يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم، وأخبر الله رسوله بهذه المؤامرة فأمر الرسول(ص) علياً أن ينام على فراشه مستجياً ببردته وكان ذلك أمر بالغ الصعوبة ولا يقدر عليه إلا من كان إيمانه راسخاً ومن كانت محبته لرسول الله(ص) محبة خالصة ومن جعل نفسه فداء لله ورسوله ونام علي على فراش رسول الله(ص).
وقد ذكر ابن سعد في طبقاته عن قتادة أن علي بن أبي طالب(ر) كان صاحب لواء رسول الله يوم بدر وكان أمام رسول الله(ص) راتيان سوداوان إحداهما مع علي يقال لها العقاب والأخرى مع بعض الأنصار[44]، وقال الحافظ ابن عساكر، تنفلّ رسول الله(ص) سيفه ذا الفقار يوم بدرثم وهبه لعلي بعد ذلك[45]، وأخرج البخاري عن سهل بن سعد وهو يسأل عن جرح رسول الله(ص) فقال: “أما والله أني لأعرف من كان يغسل جرح(ص) يوم أحد ومن كان يسكب الماء وبما دووي قال: “كانت فاطمة بنت رسول الله(ص) تغسله وعلي بن أبي طالب يسكب الماء بالمجنّ فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة من حصيد فأحرقتها وألصقتها فاستمسك الدم[46].
قال محمد بن اسحق حدثني عبد الله بن الحسن عن بعض أهله عن أبي رافع مولى رسول الله(ص) قال: “خرجت مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله(ص) برايته فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه رجل من يهود فطاح ترسه من يده فتناول علي باباً كان من الحصن فترسّ به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ثم ألقاه من يده حين فرغ، فلقد رأيتني في نفر سبعة معي وأنا ثامنهم، نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما قلبناه”[47].
وقد روى النسائي في سننه عن محمد بن المثنى عن يحيى بن حماد عن أبي معاوية عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال: ” لما رجع رسول الله(ص) من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقمن ثم قال: كأني قد دعيت”،” أني قد تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوص ثم قال الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فقلت لزيد سمعته من رسول الله(ص) فقال: ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينه وسمعه بأذنيه” تفرد به النسائي من هذا الوجه، قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي وهذا حديث صحيح [48]
ذكر بعض من سيرته(ر)[49]:
عن عبد الله بن الحارث الهمذاني أن علياً كان يقول في ركوعه: اللهم لك ركعت وبك آمنت وأنت ربي، ركع سمعي وبصري ولحمي ودمي وشعري وعظمي تقبل مني إنك أنت السميع العليم” فإذا رفع رأسه من الركوع وأراد أن يسجد قال: لك أركع وأسجد وأقوم وأقعد وإذا سجد قال: اللهم لك سجدت وبك آمنت وأنت ربي سجد لك وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين الحمدلله رب العالمين، ويقول بين السجدتين: “اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني”[50]
زهده وورعه وتواضعه(ر):
قال يعقوب بن سفيان، حدثنا أبو بكر الحميدي، حدثنا سفيان أبو حسان عن مجمع بن سمعان التميمي قال: “خرج علي(ر) بسيفه إلى السوق فقال: من يشتري مني سيفي هذا؟ فلو كان عندي أربعة دراهم اشتري بها إزاراَ ما بعته”[51]، وعن أبي هاشم عن اذان كان علي(ر) يمشي في الأسواق وحده وهو خليفة يرشد الضال ويعين الضعيف ويمر بالبيّاع والبقّال فيفتح عليه القرآن ويقرأ: “تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً[52] ثم يقول: “نزلت هذه الآية في أهل العدل والتواضع من الولاة وأهل القدرة من سائر الناس”.
وقال الشعبي: وجد علي درعاً له عند نصراني فأقبل به إلى شريح وجلس إلى جانبه وقال: له لو كان خصمي مسلماً لساويته وقال هذه درعي فقال النصراني: ما هي إلا درعي ولم يكذب أمير المؤمنين فقال شريح للإمام علي(ر) ألك بينة؟ قال: لا وهو يضحك فأخذ النصراني الدرع ومشى يسيراً ثم عاد وقال: أشهد أن هذه أحكام الأنبياء، أمير المؤمنين قدمني إلى قاضيهم وقاضيه يقضي عليه ثم أسلم، واعترف أن الدرع سقطت من علي عند مسيره إلى صفين، ففرح الإمام علي(ر) بإسلامه ووهب له الدرع وفرساً وشهد معه قتال الخوارج.
وقيل أن علياً رؤي وهو يحمل في ملحفته تمراً قد اشتراه بدرهم فقيل له: “يا أمير المؤمنين، ألا نحمله عنك؟ فقال: أبو العيال أحق بحمله[53] “.
قال ابن سعد أخبرنا الفضل بن دكين قال: “أخبرنا أيوب بن دينار أبو سليمان المكتب قال: حدثني والدي أنه رأى علياً يمشي في السوق وعليه إزاء إلى نصف ساقيه وبردة على ظهره قال: ورأيت عليه بردين نجرانيين”، قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: “أخبرنا زهير بن معاوية عن جابر عن هرمز قال: رأيت علياً متعصباً بعصابة سوداء ما أدري أي طرفيها أطول الذي قدامه أو الذي خلفه يعني عمامة”، وعن عبد الأعلى بن عدي النهروان أن رسول الله(ص) دعا علياً يوم غدير خم فعممه وأرخى عذبة العمامة من خلفه، قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا اسرائيل عن جابر بن محمد بن علي قال: “كان نقش خاتم علي كرّم الله وجهه: الله الملك[54]“.
صفته (ر):
كان(ر) أدم شديد الأدمة[55]، أي شديد السمرة، أدعج العينين عظيمهما، حسن الوجه، كثير التبسم، عظيم البطن إلى السمن، عظيم اللحية، كثير الشعر للصدر، ربعة من الرجال وقيل كان فوق الربعة عريض ما بين المنكبين عظيم الكراديس، أصلع ليس في رأسه شعر إلا من خلفه، ضخم عضلة الذراع دقيق مستدقها ضخم عضلة الساق دقيقها مستدقها، وكان أفطس الأنف وكان قد نقش على خاتمه (الله الملك).
نساؤه(ر):
أول زوجة له فاطمة الزهراء بنت النبي(ص) ولم يتزوج عليها حتى توفيت عنده، وقد أعقب علي من فاطمة الحسن والحسين أبو محمد(ر)، ثم تزوج بعدها أم البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة فولدت له: العباس وجعفر وعبدالله وعثمان وقتلوا مع أخيهم الحسين بكربلاء، ولا بقية لهم غير العباس، وتزوج ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي فولدت له عبيد الله وأبا بكر، وتزوج أسماء بنت عميس الخثمية فولدت له: يحيى وعون ولو أيضاً محمد الأصغر، درج لأم ولد، وله من الصهباء وهي أم حبيب بنت جبير بن العبد بن علقمة وهي من السبي الذي أغار عليهم خالد بن الوليدبعين التمر وولدت له عمر ورقية وهما توأم فعمّر بن علي حتى بلغ خمساً وثمانين سنة فحاز على نصف ميراث علي(ر) ومات عمر بن علي بينبع[56] وتزوج علي(ر) أمة بنت أبي العاص بن الربيع وأمها زينب بنت رسول الله(ص)، فولدت له محمد الأوسط[57] وتزوج خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة وله منها محمد الأكبر الذي يقال له محمد بن الحنفية توفي بالطائف، فصل عليه ابن عباس، وتزوج أم سعيد بنت عروة بن مسعود بن معتب بن مالك الثقفي فولدت له أم الحسن ورملة الكبرى وتزوج محياة[58] أن اسمها مخئبة بنت أمرؤ القيس بن عدي بن أوس فولدت له بنتاً توفيت صغيرة وكان له بنات من أمهات شتى لم يسم لنا أسماء أمهاتهن منهن: أم هانيء وميمونة وزينب الصغرى وأم كلثوم الصغرى وفاطمة وأمامة وخديجة وأم الكرام وأم سلمة وأم جعفر جمانة ونفيسة بنات علي لأمهات شتى[59] فجميع ولد سيدنا علي لصلبه أربعة عشر ذكراً وسبع عشر إمرأة والمعقبون من أبناء الإمام علي خمسة هم الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية والعباس ابن الكلابية وعمر ابن التغلبية.
قصة استشهاد أمير المؤمنين علي (ر):
سببها: أنه لما طال النزاع بينه وبين معاوية، انتدب ثلاثة نفر من الخوارج وهم: عبد الرحمن بن ملجم قاتله الله والبرك وعمرو التميمي، حيث اجتمعوا بمكة وتعاهدوا على قتل هؤلاء الثلاثة: سيدنا علي كرّم الله وجهه ومعاوية وعمرو بن العاص ويريحوا العباد منهم كما زعموا، فقال ابن ملجم: أنا لكم بعلي، وقال البرك: أنا لكم بمعاوية، وقال عمرو التميمي: أنا لكم بعمرو بن العاص(ر) وتعاهدوا ذلك أن يكون في ليلة الحادي عشر أو ليلة السابع عشر من رمضان.
فقدم ابن ملجم الكوفة فلقي من الصحابة الخوارج فكاتمهم من يريد ووافقه منهم شبيب بن عجزة الاشجعي وغيره، فلما كانت ليلة الجمعة 17 من رمضان سنة 401 للهجرة، استيقظ سيدنا علي كرّم الله وجهه: سحراً وقال لابنه الحسن(ر): “رأيت الليلة رسول الله(ص) فقلت يا رسول الله، ما لقيت من أمتك خيراً، فقال لي: أدع الله عليهم، فقلت اللهم أبدلني بهم خيراً لي منهم، وأبدلهم بي شراً لهم مني”. وأقبل عليه الأوز يصحنّ في وجهه، فطردوهن، فقال: دعوهن فإنهن نوائح ودخل عليه المؤذن فقال: الصلاة الصلاة فخرج على الباب ينادي: ” أيها الناس الصلاة الصلاة، وكان في محراب مسجد الكوفة وقد دخل في الصلاة وأئم بالناس به، فشد ّ عليه شبيب فضربه بالسيف فوقع سيفه بالباب وضربه ابن ملجم بسيفه فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل دماغه وهرب شبيب فدخل منزله فدخل عليه رجل من بني أمية فقتله.”
وأما ابن ملجم فشد عليه الناس من كل جانب فلحقه رجل من همذان فطرح عليه قطيفة ثم صرعه وأخذ السيف منه وجاء به إلى علي كرّم الله وجهه ونظر إليه وقال: “النفس بالنفس، إذا ما مت فاقتلوه، وإن سلمت رأيت فيه رأيي”.
وأقام سيدنا علي كرّم الله وجهه الجمعة والسبت وتوفي ليلة الأحد وغسله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر ومحمد بن الحنفية يصب عليه الماء(ر)، وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص وصل عليه الحسن وكبر عليه سبعاً، ودفن بدار الإمارة بالكوفة ليلاً أو بالغري “حيث مشهده اليوم” موضع يزار الآن أو بين منزله والجامع الأعظم. وقيل وضعوه على دابة وسارت، وقال محمد بن اسحاق، حدثني يزيد بن محمد بن خثيم عن محمد بن كعب عن محمد بن خثيم عن يزيد بن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله(ص):” ألا أخبرك بأشقى الناس، قال بلى، قال: رجلان أحدهما أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا علي، على هذا يعني قرنه حتى تبتل منه هذه، يعني لحيته” رواه ابن أبي حاتم.
أقول: ثم قطعت أطراف بن ملجم وجعل في قوصرة وأحرقوه بالنار، وكان سيدنا علي(ر) في شهر رمضان الذي قتل فيه يفطر ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين وليلة عند عبد الله بن جعفر. فلما كانت الليلة التي قتل في صبيحتها أكثر الخروج والنظر إلى السماء وجعل يقول: ” والله ما كذبت، ولا كذّبت وأنها الليلة التي وعدت، فلما خرج وقت السحر ضربه ابن ملجم الضربة الموعود بها، وعميّ قبر علي لئلا ينبشه الخوارج. وقال شريك: نقله ابنه الحسن(ر) إلى المدينة المنورة، فاضت روح الإمام علي بن أبي طالب إلى بارئها وكان لسيدنا علي حينما توفي وعمره 63 سنة وقيل 64 وقيل 65 سنة وقيل 57 سنة وقيل 58سنة قضى منها في الخلافة خمس سنين. وكان رحمه الله ينطق بلا إله إلا الله إلى أن قبض، كرّم الله وجهه ورضي الله عنه. ومن أقواله كرّم الله وجهه: ” ألا أدلكم على ثمرة الجنة، لا إله إلا الله بشرط الاخلاص”، “لا تطلب الحياة لتأكل بل اطلب الأكل لتحيا”، ” الدنيا مزرعة ابليس وأهلها أكرة حراثون له فيها”، “إذا أردت أن تصادق رجلاً فأغضبه فإن أنصفك في غضبه وإلا فدعه”، ” اطلبوا الحاجات بعزة الأنفس فإن بيد الله قضاءها”، “إذا قصرت يدك عن المكافأة فليطل لسانك بالشكر”، “خير الدنيا والآخرة خصلتين الغنى والتقى وشر الدنيا والآخرة في خصلتين الفقر والفجور”، “لا ينبغي للعاقل أن يمدح امرأة حتى تموت، ولا طعاماً حتى يستمرئه، ولا صديقاً حتى يستقرضه، وليس من حسن الجوار ترك الأذى، ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى”، “المرأة إذا أحبتك آذتك وإذا أبغضتك خانتك وربما قتلتك، فحبها أذى وبغضها داء بلا دواء “، “من لم يصلح خلائقه لم ينفع الناس تأديبه”، “خير العيش ما لا يطغيك ولا يلهيك”، “من زاد عقله نقص خطه وما جعل الله لأحد عقلاً وافراً إلا احتسب به عليه من رزقه”، “ضرب الوالد للولد كالسماد للزرع”،” من كذب ذهب بماء وجهه، ومن ساء خلقه كثر غمه، ونقل الصخور من مواضعها أهون من تفهيم من لا يفهم”، “إذا رغبت بالمكارم فاجتنب المحارم”، “لا تسأل غير الله إن أعطاك أغناك”، “ما ضرب الله العباد بسوط أوجع من الفقر”، “التكبر على المتكبرين هو التواضع بعينه”، “من كانت الدنيا همه، كثر في القيامة غمه”، ” المرأة تكتم الحب أربعين سنة ولا تكتم البغض ساعة واحدة”.
وفي قصة استشهاده ايضاً قال ابن كثير: “كان أمير المؤمنين(ر) قد تنغصت عليه الأمور واضطرب عليه جيشه وخالفه أهل العراق ونكلوا عن القيام معه، واستفحل أمر الشام، وصالوا وجالوا يميناً وشمالاً زاعمين أن الإمرة لمعاوية بمقتضى حكم الحكمين في خلعهما علياً، وتولية عمرو بن العاص معاوية عند خلّو الإمرة عن أحد، وقد كان أهل الشام بعد التحكيم يسمون معاوية الأمير وكلما إزداد أهل الشام قوة ضعف جأش أهل العراق هذا وأميرهم علي بن أبي طالب خير أهل الأرض في ذلك الزمان، أعبدهم وأخشاهم لله عز وجل ومع هذا كله خذلوه وتخلوا عنه حتى كره الحياة وتمنى الموت وذلك لكثرة الفتن وظهور المحن فكان يكثر أن يقول: “ما يحبس أشقاها، أي ما ينتظر؟ ماله لا يقتل ؟ ثم يقول: والله لتخضبن هذه ويشير إلى لحيته، من هذه ويشير إلى هامته وقد صدق.[60]
مكيدة اليهود:
وكان استشهاده كرّم الله وجهه على اتفاق ثلاثة من الخوارج قتل معاوية وسيدنا عمرو بن العاص وسيدنا علي كرّم الله وجهه، ذكر ابن جرير الطبري وغيره من المؤرخين أن أحدهم، أما ابن ملجم فسار إلى الكوفة فدخلها وكتم أمره عن أصحابه من الخوارج الذين هم بها، فلما كانت ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان جلس مقابل السدة التي يخرج منها علي كرّم الله وجهه، فلما خرج جعل ينهض الناس من النوم إلى الصلاة ويقول: “الصلاة الصلاة”، فضربه ابن ملجم بالسيف على قرنه فسال دمه على لحيته (ر) ولما ضربه ابن ملجم قال: لا حكم إلا لله ليس لك يا علي ولا لأصحابك، ونادى علي كرّم الله وجهه: عليكم به، ومسك ابن ملجم وقدّم علي جعدة بن هبيرة بن أبي وهب فصل بالناس صلاة الفجر وحمل علي إلى منزله، وقال علي كرّم الله وجهه : “إذا مت فاقتلوه، وإن عشت فأنا أعلم كيف أصنع به” [61]
وقد أوصى الحسن والحسين} وصية طويلة في آخرها: ” يا بني عبد المطلب، لا تخوضوا دماء المسلمين خوضاً، تقولون قتل أمير المؤمنين، ألا لا تقتلن بي إلا قاتلي، انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه، فاضربوه ضربة ولا تمثلوا به، فإني سمعت رسول الله(ص) يقول: أياكم والمثلة ولو بالكلب العقور”[62]، وقال جندب بن عبد الله: “يا أمير المؤمنين، إن مت نبايع الحسن ؟ قال: لا آمركم ولا أنهاكم أنتم أبصر” ولما احتضر علي جعل يكثر من قول لا إله إلا الله، لا يتلفظ بغيرها، وقد قيل أن آخر ما تكلم به: ” فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره [63]“.
وقد روي أن أم كلثوم قالت لابن ملجم وهو واقف: “ويحك ! لما ضربت أمير المؤمنين، قال: إنما ضربت أباك فقالت: انه لا بأس عليه، فقال: لم تبكين؟، والله لقد ضربته ضربة لو أصابت أهل العصر لماتوا أجمعين، والله لقد سممّت هذا السيف شهراً، ولقد اشتريته بألف[64]، وقد أوصى ولديه الحسن والحسين بتقوى الله والصلاة والزكاة وكظم الغيظ وصلة الرحم والحلم عن الجاهل والتفقه في الدين والتثبت في الأمر والتعاهد للقرآن وحسن الجوار والأمر بالمعروف والنهي عمن المنكر، واجتناب الفواحش ووصّى بأيهما محمد بن الحنفية ووصى بما أوصاهما به وأن يعظهما أمراً دونهما، وكتب ذلك كله في كتاب وصيته (ر)[65]
واستشهد سيدنا علي(ر) يوم الجمعة سحراً، لسبع عشرة خلت من رمضان سنة أربعين للهجرة عن عمر يناهز ثلاث ستين سنة على الصحيح وكانت مدة خلافته(ر) خمس سنين إلا ثلاث أشهر وغسله ابناه الحسن والحسين وعبدالله بن جعفر، وصلّ عليه ابنه الحسن(ر) ودفن بدار الإمارة (القصر) بالكوفة خوفاً عليه من الخوارج أن ينبشوا عن جثته[66] وقال ابن الأثير والأصح أن قبره هو الموضع الذي يزار[67].
ثقل على قريش:
قال الشعبي: لما مات علي بن أبي طالب(ر) قام ابنه الحسن على قبره، فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي(ص) واستغفر لابيه ثم قال: نعم أخو الاسلام كنت يا أبي جواداً بالحق بخيلاً بالباطل عن جميع الخلق، تغضب عند الغضب وترضى حين الرضا، عفيف النظر غضيض الطرفلم تكن مداحاً ولا شتاماً، تجود بنفسك في المواطن التي تبخل بها الرجال صبوراً على العزاء مشاركاً النعماء ولذلك ثقلت على أكتاف قريش[68].
ذريته(ر): الحسن والحسين والمحسن ومحمد ابن الحنفية والعباس وعمر وأبو بكر وجعفر وعثمان وعبد الله وعبيد الله ويحيى ومحمد الأصغر.
[1] النسب والمصاهرة للمدرس
[2] كتاب الدرر السنية – المكتبة الظاهرية
[3] صحيح بخاري ج 2 ص 87
[4] صحيح مسلم 15 / 173 – 75 بيروت 1981
[5] كتاب المستطرف في كل من مستطرف ص 87
[6] كتاب فضائل آل الرسول للشيرازي
[7] كتاب الاتحاف بحب الأشراف تأليف عبد الله بن محمد بن عامر الشبراوي الشافعي
[8] س البقرة الآية 207.
[9] سورة الأنسان
[10] الآية 28 س الرعد
[11] عن كتاب النسب والمصاهرة للمدرس
[12] تاريخ الطبري3/456
[13] لطف السمر وقطف الثمر ص 49
[14] تاريخ الطبري 3/457
[15] الاصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 2/508
[16] أخوة الإيمان وأخوة النسب والمصاهرة والتسمية المتبادلة بأسماء أهل البيت والصحابة
[17] يذكر ذلك اليعقوبي في تاريخه في الجزء الثاني في الصفحة 213 والأصفهاني في مقاتله وكذلك كشف الغمة (ج2 ص 64) وجلاء العيون للمجلي (ص 582)
[18] ج 2 ص 228 وجاء في منتهى الأمال أيضاً (ج1 ص 240)
[19] التنبيه والإشراف ص188
[20] كشف الغمة ج ص 72
[21] مقاتل الطالبين ص 188
[22] كشف الغمة ج2 ص 217
[23] المقاتل ص 562
[24] أنظر الإرشاد ص 303 والفصول المهمة ص242 وكشف الغمة ج 2 ص 227
[25] كشف الغمة ج 2 ص 90 وغيرها
[26] الإرشاد ص 434والفصول المهمة ص 284
[27] انظر المقاتل ص123 وغيرها
[28] أنظر لأرشاد للمفيد ص 176 وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 313 والمقاتل ص 84 ط بيروت وجلاء العيون للمجلي ص 570 والفصول المهمة ص 143 وعمدة الطالب لابن عتبة ص 361 ط نجف، وكشف الغمة ج 1 ص 575 والشيعة وأهل البيت لاحسان ظهير ص 125
[29] كما يذكر المفيد في الصفحة 194، واليعقوبي ج ص 22 والمجلي ص 582 وابن عنبة ص 81 والأصبهاني ص 119
[30] كما ذكر المجلي ص 582 وكذلك زين العابدين بن علي كما ذكره المفيد ص194 واليعقوبي ص 228 وذكره المفيد في الارشاد ص 261 والأربلي في كشف الغمة ج2 ص 105 وابن عتبة ص 194 ومنتهى الآمال ج2 ص 43 والفصول المهمة ص209
[31] المقاتل ص 127
[32] أنظر المقاتل أيضاً
[33] كشف الغم ص 216
[34] في المقاتل ص639 و446 و456 ط بيروت والأربلي في كشف الغمة وغيره
[35] كتاب النسب والمصاهرة للمدرس ص 241.
[36] عن كتاب المنتقى
[37] الاستيعاب 3/35
[38] الاستيعاب 3/37
[39] رواه الترمذي 3713 وابن ماجه 121 ، وقد اختُلِفَ في صحته َقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي تَخْرِيجِ الْهِدَايَةِ1/189أيْ مَنْ كُنْت أُحِبُّهُ فِعْلِيٌّ يُحِبُّهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ مَنْ يَتَوَلاَّنِي فِعْلِيٌّ يَتَوَلاَّهُ ذَكَرَهُ الْقَارِي عَنْ بَعْضِ عُلَمَائِهِ
[40] أخرجه البخاري ومسلم
[41] مسند الإمام أمد 6/323
[42] فتح الباري 7/57
[43] فتح الباري 7/57
[44] سيرة ابن هشام 1/612
[45] البداية والنهاية 7/348
[46] الجامع الصحيح للبخاري
[47] سيرة ابن هشام 2/335 وتاريخ الطبري 2/301
[48] البداية 5/184
[49] جمعت أقواله وخطبه ورسائله في كتاب سمي ” نهج البلاغة”
[50] أخرجه أبو روق الهمذاني
[51] البداية والنهاية
[52] الآية 83 س القصص
[53] الكامل في التاريخ 3/265
[54] الطبقات الكبرى 3/532
[55] البداية للطبري والكامل في التاريخ 3/262
[56] تاريخ الطبري 5/154 والكامل 3/263
[57] تاريخ الطبري
[58] ابن الأثير الكامل 3/263
[59] انظر نسب قريش للزبيري ص 40 وجمهرة النسب للكلبي ص 30
[60] كتاب البداية والنهاية 7/337
[61] البداية والنهاية 7/338
[62] الرياض النضرة في مناقب العشرة للمحجب الطبري 3/338
[63] البداية 7/339
[64] البداية والنهاية 341
[65] تاريخ الطبري 4/113، والكامل في التاريخ والبداية والنهاية
[66] البداية والنهاية7/342
[67] الكامل في التاريخ 3/261
[68] كتاب نوادر من التاريخ لصالح محمد الزمام ج 1 ص 176
Pingback: عمود النسب الصحيح للصمادية - عشيرة الصمادي
Pingback: باب الأعلام والتراجم والتواريخ الهامة المرتبطة بالعائلة والطرق الصوفية - عشيرة الصمادي