المحامي المناضل صالح الصمادي 1310-1352هـ/ 1893-1933م


[1] اقتباس من منشورات جريدة الدستور الأردنية في العام 1945

يذكر الأديب الأستاذ يعقوب العودات (البدوي المُلثــَّـم) في كتابه (من أعلام الفكر والأدب في فلسطين) أن صالح الصمادي ولد في عاصمة جبل النار نابلس في عام 1893م، وكأترابه من أبناء جيله إلتحق بأحد كتاتيب نابلس ليتعلم القرآن الكريم ومبادىء اللغة العربية والحساب، ثمَّ انتقل إلى مدرسة النجاح الوطنية التي كانت محضناً لأفكار الحركة الوطنية العربية التي كانت تتصدَّى لمظالم حكومة حزب الإتحاد والترقــِّـي الذي كان غالبية قادته من يهود الدونمه ومن الماسونيين والتي كانت تتسلط على مقاليد الأمور في الدولة العثمانية، ثمَّ انتقل إلى بيروت لينهي دراسته الثانوية في المكتب السلطاني، ثمَّ انتقل إلى إسطنبول ليتخرَّج من كلية الحقوق في جامعتها العريقة، وكان يرافقه في جميع هذه المراحل رفيقه في الجناح الشبابي للحركة الوطنية العربية الزعيم السياسي والأديب الشهير الأستاذ عادل زعيتر، وخلال وجوده في إسطنبول كان صالح الصمادي من أنشط شباب الحركة الوطنية العربية وانضمَّ إلى المنتدى الأدبي الذي كان نشطاء الحركة الوطنية العربية المقيمون في إسطنبول قد أسَّـسوه في عام 1909م ليكون منطلقا لنشاطاتهم ضدَّ مظالم الإتحاديين، وبعد تخرجه من جامعة إسطنبول عام 1916م قامت حكومة الإتحاد والترقـِّـي بتجنيده مع رفيقه عادل زعيتر والعشرات من الشباب العرب كضبَّـاط إحتياط في جيش حكومة حزب الإتحاد والترقــِّــي ولكن سرعان ما اكتشف الإتحاديون نشاطاته الوطنية فسجنوه في الأناضول وتمكـَّـن من تسريب قصيدة نظمها في سجنه إلى رفاقه قال فيها:


ما راعني أننــي أغدو صــريعَ أذىً                  وسط السجون ومصلوبا على النـُـصب ِ
لم يلهني عن بني قومي وعن وطني                 وعْــدُ الطغاة وبذل المـال والرُتــب ِ
إن يُقبـــــض الحرُّ أو يبقى فإن لـــه                  ذكـــرا ً يُخلـَّـدُ في الأسفـار والكتـــب ِ

وبعد خروجه من السجن علم صالح الصمادي ورفاقه بقيام الثورة العربية بقيادة الشريف الحسين بن علي ضدَّ مظالم حكومة الإتحاديين الماسونيين فتسلل مع صديقه عادل زعيتر وعدد من الشباب العرب من معسكرهم متوجهين إلى جبل العرب ومنه إلى شرقي الأردن ليلتحقوا بجيش الثورة العربية بعد رحلة عانوا فيها الجوع والعطش والبرد حتى أشرفوا على الموت لولا أن تداركتهم عناية الله فوصلوا إلى بئر ماء فارتووا منه ثمَّ سجدوا شكرا لله على نجاتهم، والتحق صالح ورفاقه بالجيش العربي الشمالي في منطقة أبو اللسن الذي كان يقوده الأمير فيصل بن الحسين بن علي، وعندما دخل الأمير فيصل إلى دمشق وأعلن عن قيام الدولة العربية بزعامته وتتويجه ملكاً عليها من قبل المؤتمر السوري العام عُيِّـن المحامي صالح الصمادي سكرتيراً لوزارة العدلية (وزيراً للعدل) في حكومة الدولة العربية التي كانت تتخذ من دمشق عاصمة لها، ثمَّ عُيِّـن أستاذاً في معهد الحقوق بالجامعة السورية، وبعد نجاح المحتلين الفرنسيين بتواطؤ الإنجليز من القضاء على الدولة العربية إلتحق الصمادي مع العديد من الشبَّـان العرب بالثورة السورية التي عمَّـت سوريا ضدَّ المُحتلين الفرنسيين، وقاتل الفرنسيين في جبهة جبل العرب (الدروز) التي كان يقودها الزعيم الدرزي سلطان باشا الأطرش، وعندما ضيَّـق المحتلون الفرنسيون الخناق على الثوار إنتقل صالح الصمادي إلى شرقي الأردن ونشط في الحركة الوطنية الأردنية، وبعد تأسيس الإمارة الأردنية بزعامة الأمير عبد الله الأول بن الحسين وتشكيل أول حكومة برئاسة اللبناني رشيد طليع عُيـِّـن المحامي صالح الصمادي حاكم صلح في عمان، ثمَّ رئيساً لمحكمة بداية السلط، ثمَّ عضوا في محكمة الاستئناف بعمان ثمَّ استقال من سلك القضاء ليتفرَّغ للمحاماة وللعمل السياسي ناشطا في الحركة الوطنية الأردنية التي كانت تتصدَّى للإحتلال البريطاني لشرقي الأردن وفلسطين وللمُخطط الصهيوني البريطاني”وعد بلفور” لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وفي سنة 1933م تأسست جمعية سياسية سرية باسم (جمعية أم القرى) وكان صالح الصمادي من مؤسسيها وهم علي رضا الركابي ومحمد الشريفي وصالح الصمادي وتوفيق سنو وأمين الجعفري وعبد القادر الجندي وعبد الستار السندروسي ومسلم العطار وطارق الجندي، وحينما نشطت المعارضة الأردنية ضد الانكليز والمعاهدة الأردنية البريطانية نال صالح الصمادي امتياز جريدة اسماها صدى العرب وصدر العدد الأول منها في 13تشرين الأول 1927م وكانت هذه الصحيفة القومية مسرحاً لأقلام أعلام لمعارضة، ومشرعة لرجالات الحركة الوطنية الأردنية المعارضة الإنجليز الذين كانوا يتربَّصون بالجريدة وبصاحبها وواتتهم الفرصة حين نشرت مقالا كتبه الصمادي ضدَّ المعاهدة البريطانية ـ الأردنية فأوعز الإنجليز لحكومة حسن خالد أبوالهدى الصيَّـادي بإغلاقها، وصدر قرار من المجلس التنفيذي (مجلس الوزراء) بتعطيلها لنشرها مقالاً شديد اللهجة ينتقد فيه كاتبه صالح الصمادي مشروع المعاهدة الأردنية البريطانية، وحُكم عليه بالسجن مدة شهر ونصف، إلا أن الأمير عبد الله أصدر أمراً بالعفو عنه، كتب صالح الصمادي مقالات كثيرة وهو يجيد قرض الشعر، ومن شعره حينما كان سجين الأناضول:

ما راعني أنني أغدو صـــــريع أذى                 وسط السجون ومصلوباً على النصب

لم يلهني عن بني قومي وعن وطني                 وعد الطغاة وبذل الــمال والــــــرتب

أن يــــقبض الــــحر أو يبقى فإن له                 ذكرا يخلد في الاســــــــــفار والكتب

 ومن قصيدة أخرى يقول

قـــد أوجـــــــــس الأتـراك منا خيفة                           فاســـتحسنوا إطفاء كل منار

فزججت في مقر السجون وما دروا                            أن الــــمحابس حبة الأحرار

أن يصلب الأعداء جســـــــــماً فانياً                           فـالروح تأوي مسكن الأبرار

تبقى الــــــــــبلاد إذا تعهــــد أمرها                           عــــدل ولا تبقى مع الأشرار

وطلب منه يعقوب العودات (صاحب كتاب أعلام الفكر والأدب في فلسطين) يوم كان معلماً في إحدى مدارس عمان أن ينظم شعراً يحفظه الطلاب ويتغنون به فأنشد صالح الصمادي:

أيّـــــــــــها الزائر أرضي                                      مــــــــرحباً مني وأهلا

أن ترمي في خدمة قومي                                       فانتظر خســـــفاً وويلا

بلّــــــــــغ الأغيــــــار أنا                                       في الوغى نركب هولا

قل لمن يبغي علـــــــــينا                                        ليس قهر الأســـد سهلا

مــــن يــطـــق حم الأعا                                        دي كان مقطوعاً أذلا[1]

لم تـُـثن مضايقات الإنجليز المحامي صالح الصمادي عن الإستمرار في نشاطاته المعارضة حتى وفاته في عام 1933م عن أربعين عاما في حادث مؤسف يصفه الأديب الأستاذ يعقوب العودات البدوي المُلثــَّـم في كتابه (من أعلام الفكر والأدب في فلسطين) بالعبارات التالية: “في ليلة من ليالي شتاء عام 1933م كمن وحش بشري لصالح الصمادي وهوخارج من مقهى حمدان في طريقه إلى بيته وأهوى عليه من الخلف بهراوة غليظة (قنوة) أصابت رأسه وأدخلته في غيبوبة، وسجل الحادث ضد مجهول[2] وبعد أيام قليلة قضى هذا الوطني المؤمن نحبه وفاضت روحه إلى بارئها، جزاء مواقفه القومية الصادقة، وبموته خسرت القضية العربية مناضلا شريفا طيب السيرة شبَّ على حبِّ قومه ووطنه العربي والذوذ عن حياضه ولو أدى به ذلك إلى التهلكة والاستشهاد، ونشرت مجلة الحكمة التي كان يصدرها سماحة الشيخ نديم الملاح في عددها الصادر في شهر ذي القعدة 1351هـ / آذار 1933م نبأ الإعتداء على المحامي الصمادي تحت عنوان: فجيعة مؤلمة، قالت المجلة في خبرها: ضربت يد الغدر في الشهر الماضي صديقنا المحامي المعروف صالح بك الصمادي الحسيني بعصا مُحدَّدة على رأسه فأغمي عليه ولم تمض أيام حتى قضى نحبه فخسرنا بفقده قانونيا قديراً وأديباً شاعراً ومؤرِّخا مُحققا تحلى بمكارم الأخلاق والإخلاص لعروبته وإسلاميته، تغمده الله برحمته وألهم الله والديه جميل الصبر على فقدهما لوحيدهما العزيز، وستقام للفقيد حفلة تأبين تليق به.


[1] وردت في كتاب موسوعة أعلام فلسطين للمؤلف محمد عمر حمادة ص 168

[2] المصدر من أعلام الفكر والأدب في فلسطين ص 361

وممن اشتهر منهم في نابلس:

صالح الصمادي (1311- 1354هـ/1893-1933م): ولد في نابلس، وتعلّم فيها وفي بيروت، ثم تخرّج في كلية الحقوق في استانبول، عمل في الجيش العثماني ضابطاً احتياطياً في الحرب العالمية الأولى، ثم التحق بجيش الأمير فيصل، وعيّن أميناً في وزارة العدل في أول حكومة عيّنها الملك فيصل، ثم حاكم صلح في عمّان في عهد الأمير عبد الله، وتنقّل في عدد من الوظائف القضائية، وكان مناهضاً للوجود البريطاني فقتل سنة (1933م) ([1]).


[1] موسوعة أعلام فلسطين، محمد عمر حمادة، ص465.

admin

الباحث محمد ماهر بن محمد عدنان بن محمد جميل الصمادي محام ومدرس جامعي خريج جامعات لندن وسويسرا، عمل في شركات دولية ومنظمات الأمم المتحدة في جنيف وكينغستون ودمشق، ومشاريع الاتحاد الأوربي في سورية، له العديد من الأبحاث منها في أنساب عائلة الصمادي.