السيدة فاطمة الزهراء ابنة رسول الله محمد بن عبدالله (عليها السلام)

كانت تكنى أم أبيها، وتلقب بالزهراء، روت عن أبيها(ص) وروى عنها أبناؤها وأبوهما وعائشة وأم سلمة وسلمى أم رافع وأنس وأرسلت عنها بنت الحسين وغيرها.

ولقد انقطع نسل الرسول الأعظم(ص) إلا من فاطمة(ر) لحكمة اقتضاها الله سبحانه وتعالى.

مولد فاطمة (ر)

وقد اختلف في سنة مولدها، فروى الواقدي عن طريق أبي جعفر الباقر قال العباس: ولدت فاطمة والكعبة تبنى والنبي(ص) ابن خمس وثلاثين سنة، وبهذا حزم المدايني ونقل أبو عمر عن عبد الله بن محمد بن سليمان بن جعفر الهاشمي: أنها ولدت سنة إحدى وأربعين من مولد النبي(ص) وكان مولدها قبل البعثة بقليل نحو سنة أو أكثر وهي أكبر من عائشة بنحو خمس سنين[1]، روي مرفوعاً: وإنما سميت فاطمة لأن الله سبحانه وتعالى قد فطمها وذريتها من النار، أخرجه الحافظ الدمشقي وروى النسائي ” لأن الله فطمها ومحبيّها من النار[2]، وكان رسول الله يحب فاطمة حباً شديداً، عن المسور بن محزمة أن النبي(ص) قال: “فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني [3]

أنكح رسول الله(ص) فاطمة علي(ر) بعد وقعة أحد وقيل أنه تزوجها بعد أن ابتنى رسول الله(ص) بعائشة بأربعة أشهر ونصف وبنى بها بعد تزويجه أياها بتسعة أشهر ونصف، وكان سنها يوم تزويجها خمس عشرة عاماً وخمس أشهر ونصف وكانت سن علي إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر [4]

في سيرة وحياة فاطمة الزهراء مواضع كثيرة للتعلم، إذا تعلمها المسلمون بل البشرية سعدوا في الدنيا قبل الآخرة.

 أبوها: سيد المرسلين سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم

والدتها: السيدة خديجة بنت خويلد الأسدية (ر)

أولادها: الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم ومحسن، أما محسن فقيل سقط، وقيل بل درج صغيراً والصحيح أن فاطمة (ر) أسقطته جنيناً.

زوجها(ر):

سيدنا الصحابي الجليل علي بن أبي طالب(ر)، تزوجها في السنة الأولى من الهجرة بعد مرجعه من بدر، تزوجها بعد غزوة أحد وكان عمرها خمسة عشر سنة وفي رواية عمرها 18عاماً تزوجها في صغر من العام الثاني بعد الهجرة وابتنى بها في ذي الحجة من آخر العام.

وروي أنه كان مهرها درعه، إذ لم يكن في ذلك صفراء ولا بيضاء وكان صداقها درعاً ثمنه أربعة دراهم. وقيل أن سيدنا علي(ر) تزوج السيدة فاطمة(ر) على 480 أربع مائة وثمانين درهماً فأمره رسول الله(ص) أن يجعل ثلثها في الطيب وكان عمرها خمسة عشر عاماً وخمسة أشهر ونصف وكان عمر سيدنا علي(ر) يومئذ 21 إحدى وعشرون سنة وخمسة أشهر.

قالت السيدة عائشة أم المؤمنين (ر): ما رأيت أحداً كان أشبه برسول الله(ص) كلاماً وحديثاً من فاطمة ابنته وكان يحبها حباً شديداً، فكانت إذا دخلت عليه قام إليها وقبل بين عينيها ورحب بها وأجلسها كما كانت تصنع هي به(ص)، وذكر ابن السراج قال محمد بن الصباح قال علي بن هاشم عن عمران بن حصين أن النبي(ص) عاد فاطمة وهي مريضة فقال لها: ” كيف تجدينك يا بنية، قالت: إني وجعة، وإنه ليزيدني أني مالي طعاماً آكله، فقال(ص): يا بنية، أما ترضين أنك سيدة نساء العالمين ؟ فقالت: يا أبت فاين مريم بنت عمران، قال: تلك سيدة نساء عالمها وأنت سيدة نساء عالمك، أما والله لقد زوجتك سيداً في الدنيا والآخرة”.

قال المدائني: توفيت فاطمة الزهراء(ر) ليلة الثلاثاء خلون من شهر رمضان سنة 11هـ وهي ابنة 29 عاماً وقيل لثلاث خلون من رمضان، قال الذهبي: والصحيح أن عمرها أربع وعشرون سنة، ولدت قبل النبوة بخمس سنين وكانت قريش آنئذ تبني الكعبة وصل عليها العباس رضي الله عنه[5] وعن الشعبي قال: صل عليها أبو بكر(ر) وللجمع بين الروايات أن العباس صل عليها أولاً لأنه عم أبيها ومن أهلها ثم صل عليها الخليفة أبي بكر(ر) حباً وتكريماً لها ولأبيها رسول الله(ص)، وقال عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب(ر) وقيل صل عليها سيدنا علي(ر) وهو الذي غسلها مع أسماء بنت عميس وقيل أنها غسلت نفسها قبل موتها [6]، إذاً هي آخر بنات النبي(ص) ولادة وآخرهن وفاة، ودفنت ليلاً ودخل قبرها العباس وعلي والفضل وهي أول من غطي نعشها من النساء في الإسلام ولم يخلف رسول الله(ص) من بنيه غيرها.

إذاً لقد توفيت بعد أبيها الرسول بستة أشهر على أصح الأقوال وقيل دون لثلاثة أشهر وقيل بل لثلاثة أشهر وقيل لثمانية أشهر وقيل تسعين يوماً ومثل غير ذلك.

قال ابن اسحق حدثني أن رسول الله(ص) كان يغار لبناته غيرة شديدة فكان لا ينكح بناته على ضرة وقد ورد عن المسور بن مخرمة سمعت رسول الله(ص) يقول وهو على المنبر أن بني هشام ابن المغيرة استئذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه فلا أذن، ثم لا آذنوا إلا أن يريدوا علي بن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم.

قالت السيدة عائشة أم المؤمنين(ر): “أقبلت فاطمة يوماً وكان مشيتها تشبه مشية أبيها والنبي(ص) جالس فقال: “مرحباً يا بنيتي ثم أجلسها عن يمينه وأسر إليها حديثاً فبكت ثم أسر إليها حديثاً فضحكت فقالت: “أرأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن ثم سألتها عما قال لها رسول الله(ص) فقالت: “ماكنت لأفشي سر رسول الله(ص) فلما قبض(ص)، سألتها عن ذلك فقالت: أسرّ لي حديثاً قال: إن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل عام مرة وأنه عارضني به اليوم مرتين ولا أرى إلا قد حضر أجلي وأنك أول أهل بيتي لي لحاقاً بي فاتقي الله واصبري فإنه ونعم السلف أنا لك فبكيت لذلك، ثم أسر لي لأني أول أهل بيتي لحاقاً بي فضحكت[7].

قال الجزري روي عن علي(ر) قال: ” لما دفن رسول الله(ص) جاءت فاطمة(ر) فوقفت على قبره وأخذت قبضة من تراب القبر وأنشأت تقول:

ماذا على من شم تربة أحمد                           أن لا يشم مدى الزمان غواليا

صبت علي مصائب لو أنها                           صبت على الأيام صدن لياليا

بعض الأحاديث التي وردت في حق السيدة فاطمة الزهراء (ر)[8]:

أخرج الطبراني عن فاطمة الزهراء(ر) قالت: ” قال رسول الله(ص): لكل نبي أنثى عصبة ينتمون إليه إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وأنا عصبتهم”، وأيضاً قال(ص): ” وكل ولد آدم فإن عقبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم”[9].

ومن حديث علي(ر) قال: قال رسول الله(ص) لفاطمة: ” يا فاطمة تدرين لم سميت فاطمة؟، قال علي(ر) لم سميت قال: إن الله فطم ابنتي فاطمة وولدهم ومن أحبهم من النار يوم القيامة”[10] وقد رواه الإمام علي بن موسى الرضا نسبه ولفظه. قال رسول الله(ص): “إن الله فطم ابنتي فاطمة وولدهم ومن أحبهم من النار” واخرج الإمام أحمد من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله(ص): ” من أبغض أهل البيت فهو منافق”.

روي عن أبي هريرة أن النبي(ص) قال: “إذا كان يوم القيامة ينادي منادين بطنان العرش: أيها الناس غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة الجنة”، وفي رواية أخرى أخرج أبو بكر في الغيلانات عن أبي أيوب(ر) أن النبي(ص) قال: ” إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: يا أهل الجمع نكسوا رؤوسكم وغضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد على الصراط”، فتمر مع سبعين ألف جارية من الحور العين كمر البرق. عن ابن الزبير(ر) أن النبي(ص) قال: ” إنما فاطمة بصفة مني يؤذيني ما آذاها ويبغضني ما ابغضها”[11].

وعن أبي هريرة(ر) أن النبي(ص) قال: ” فاطمة أحب إلي منك وأنت أعز علي منها”.

روى أسامة بن زيد أن النبي (ص) قال: أحب أهلي إلي فاطمة[12]“.

أخرج البخاري وأبو يعلى وابن حيان والطبراني والحاكم عن ابي سعيد أن النبي(ص) قال: “الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إلا ابني الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا، وفاطمة سيدة أهل الجنة إلا ما كان من مريم”.

وأخرج الشيخان أن النبي(ص) قال لها: “يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين؟”.

وأخرج تمام والبزاز والطبراني وأبو نعيم أنه(ص) قال: ” فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار” وقال الحاكم هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.

وأخرج الطبراني بسند رجاله ثقات: أنه(ص) قال لها: “إن الله غير معذبك ولا أحد من ولديك”.

وقد روي أصحاب الصحيح قال رسول الله(ص): ” كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربعة: مريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد”.

عن أنس قال: “لما حضرت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتفشاه الكرب، فقالت فاطمة: “واكرب ابتاه، فقال لها(ص) ليس على أبيك كرب بعد اليوم”، فلما مات(ص) قالت: “يا أبتاه: أجاب رباً دعاه، يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه، يا ايتاه إلى جبريل منفاه”، فلما دفن(ص) قالت: ” يا أنس، كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله (ص)[13]؟”.

وفيما رواه الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر عن أبيه عن الإمام علي بن أبي طالب} أن فاطمة(ر) طبخت قدراً لفدائهما ووجهت علياً إلى النبي(ص) ليتغدى معهما فجاء عليه الصلاة والسلام فغرفت منها (أي من القدر) لجميع نسائه عليه السلام صفحة صفحة قيل هن يومئذ تسع: عائشة وحفصة وزينب وأم حبيبة وأم سلمة وسودة وميمونة القرشية وصفية وجويرية ثم له عليه السلام ولعلي[14]، ثم لها ولأولادها ثم رفعت القدر وإنها لتفيض[15][16]

وقد نشأت وترعرعت في العهد المكي وعاشت سني الصراع بين الكفر والإيمان وضد المشركين وطغيانهم وحصارهم لدعوة الإسلام وهاجرت إلى المدينة المنورة لتلحق بأبيها وصحبه.

وأخرج الدولابي في الذرية الطاهرة بسند جيد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: “قال رسول الله(ص) ليلة بنى علي فاطمة لا تحدث شيئاً حتى تلقاني، فدعا بماء فتوضأ منه ثم أفرغه عليها، وقال: اللهم بارك فيهما وبارك عليهما وبارك لهما في نسلهما[17]

ولدت فاطمة(ر) الحسن والحسين والمحسن وزينب وأم كلثوم ورقية.

توفيت بعد موت النبي(ص) بستة أشهر وقيل بثمانية أشهر وقيل بمئة يوم وقيل بسبعين، ذكره أبو عمر والأول وتوفيت فاطمة الثلاث خلون من شهر رمضان سنة إحدى عشرة وهي ابنة تسع وعشرين سنة، قال المدائني وقال عبد الله، حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب، ابنة ثلاثين وقال الكلبي: خمس وثلاثين حكاه أبو عمر وقيل ثمان وعشرين حكاه الرازي وعلى الأقوال كلها يكون مولدها قبل النبوة[18]، صل عليها سيدنا علي(ر) وقيل العباس وخرّج البصري من حديث مالك بن أنس: أنه صلّ عليها أبو بكر(ر) ودخل بها في قبرها علي والفضل وكانت أشارت على علي أن يدفنها ليلاً، وأما موضع قبرها(ر) فذكره الحافظ أبو عمر بن عبد البر، أن الحسن لما توفي دفن إلى جانب أمه فاطمة(ر) وقبر الحسن معروف بجانب قبر العباس. ومروياتها كثيرة في كتب الأحاديث ثمانية عشر حديثاً المتفق عليها منها واحد والباقي في سائر الكتب.

عقب فاطمة الزهراء (ر):

لقد جعل الله تعالى سبحانه البركة في نسل فاطمة وجعل منها الخير الكثير، ترى العالم اليوم ذرية فاطمة الذين هم ذرية رسول الله(ص) منتشرين في بقاع العالم: ففي العراق حوالي مليون وفي ايران حوالي ثلاثة ملايين وفي مصر خمسة ملايين وفي المغرب خمس ملايين وفي الجزائر وتونس وليبيا عدد كثير وكذلك في الأردن وسوريا ولبنان والسودان وبلاد الخليج والسعودية ملايين وفي اليمن وباكستان وأفغانستان وغيرهم واندونيسيا حوالي عشرين مليوناً وقل أن تجد في البلاد الإسلامية بلدة ليس فيها أحد من نسل فاطمة ويقدّر مجموعهم بحوالي 35 مليوناً.


[1] الإصابة 2/635

[2]  مسند فاطمة لجلال الدين السيوطي 911

[3] أخرجه البخاري 7/78، باب قرابة النبي @ وباب النكاح أخرجه مسلم2449

[4] الاستيعاب 4/362

[5] كتاب النسب والمصاهرة للمدرس

[6] ص 140 النسب والمصاهرة

[7] كتاب الاتحاف بحب الأشراف للشبراوي الشافعي

[8] كتاب الروضة البهية فضل آل البيت

[9] حديث صحيح أخرجه الطبراني

[10] أخرجه الحافظ الدمشقي

[11] أخرجه أحمد والترمذي والحاكم

[12] رواه أبو داود الطيالس والطبراني في الكبير والحاكم والترمذي‏.‏

[13] أخرجه البخاري عن أنس بن مالك

[14] أي غرفت لها

[15] أي لتفور من جوانبها

[16] عن كتاب النسب والمصاهرة للمدرس ص 140

[17]  الإصابة 4/366

[18] ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى للبطري المكي ص 101

admin

الباحث محمد ماهر بن محمد عدنان بن محمد جميل الصمادي محام ومدرس جامعي خريج جامعات لندن وسويسرا، عمل في شركات دولية ومنظمات الأمم المتحدة في جنيف وكينغستون ودمشق، ومشاريع الاتحاد الأوربي في سورية، له العديد من الأبحاث منها في أنساب عائلة الصمادي.

This Post Has 2 Comments

اترك تعليقاً