في نهايات الدولة العباسية نشطت في منطقة بلاد الشام عدة طرق صوفية دينية وبخاصة الطريقة الصمادية، وكان لها زوايا وأوقاف عدة منتشرة في البلدات.
ذكرت الطريقة القادرية الصمادية الصوفية في العديد من المقالات والابحاث والصكوك والوثائق التاريخية العربية والاجنبية كان منها بحث للباحث فريتس ماير عام 1999.
…وقبل وفاته 1124هـ عين مقدماً للطريقة الشيخ علي الطيان ثم جلس على سجادتها أخوه من بعده ثم السيد عبد القادر الصمادي الذي وجهت عليه رتبة السليمانية وتوليه وقف السلطان ابراهيم الأدهم سنة 1195هـ، وقد خلف والده على مشيختها ثم الشيخ أحمد الكزبري الذي كان مدرساً تحت قبة النسر بالجامع الأموي، وجهت عليه مشيخة الصمادية القادرية ومات سنة 1299هـ
قواعد الطريقة القادرية الصوفية:
يذكر الشيخ مخلف العلي القادري الحسيني أهم قواعد وأسس الطريقة القادرية:
الالتزام بالكتاب والسنة: يقول الشيخ عبد القادر الجيلاني: طريقتنا مبنية على الكتاب والسنة فمن خالفهما فليس منا. ويقول: اجعل الكتاب والسنة جناحيك طر بهما إلى الله
الجَـدٌ والكًـدٌ ولزوم الحَـدٍ حتى تنقد: ومعنى (جـد) الجدية في سلوك الطريق إلى الله، ومعنى (كـد) بذل الجهد والجوارح والنفس والروح في السير إلى الله بدون هوادة ولا تراخي، معنى (لزوم الحد) الالتزام بالشريعة وتحليل الحلال وتحريم الحرام والوقوف عند حدود الله وعدم تجاوزها، ومعنى (حتى تنقد) حتى تجف النفس عن المعاصي والذنوب والشهوات والملذات والأخلاق السيئة ولا يبقى فيها إلا الله جل في علاه.
الاجتماعٌ والاستماعٌ والإتباعٌ حتى يحصل الانتفاع: ومعنى هذا الاجتماع بالصالحين والعلماء والمرشدين والأخوة في الله والاستماع لهم بأدب وإتباع ما يقولون وما يأمرون من الهدي النبوي وبذلك يحصل لدينا الانتفاع والوصول لما وصلوا إليه.
الاعتقاد بشيخ الطريقة العقيدة الصحيحة: ومعنى هذا أن يحبوه ويحترموه ويقدروه ولا يهملوه ولا يعظمونه فوق الحد المطلوب ولا يغلوا في حبه ولا يعتقدوا فيه العصمة فإنه بشر يخطئ ويصيب لكنه محفوظ بعناية الله إن أخطأ سرعان ما يرجع إلى الله ويتوب إليه، يقول الشيخ عبد القادر الجيلاني في كتابه الغنية: (يا بني إياك أن تنظر إلى شيخك أنه معصوم إنما هو بشر يخطئ ويصيب فإن رأيت منه مخالفة فابحث له عن عذر شرعي فإن لم تجد له عذر فاستغفر له الله فإنه بشر يخطئ ويصيب.
حب الشيخ: لكن حب الله والرسول مقدم عليه وهو المراد الحقيقي من السير والسلوك على يد الشيخ المرشد فهو دليلنا إلى حب الله ورسوله .
كثرة الذكر لله تعالى: فالذكر هو المعراج في السير إلى الله في الطريقة القادرية، فمن أهم أعمال المريد كثرة الأذكار والمداومة عليها وعلى الاستغفار والصلاة على الرسول بالليل والنهار وبذلك يرتقي المريد في مقامات المحبة لله ولرسوله والذكر هو الوسيلة العظمى لتزكية النفس وتربيتها وتحليتها بالأخلاق المحمدية.
محبة آل البيت: وحبهم مقدم على كل من سواهم من الناس لأنهم بضعة النبي ووصيته لأمته، مع الحب والتقدير والإكبار والإجلال للصحابة وعلى رأسهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب.
حب كل الأولياء والصالحين: وحب مشايخ ومرشدين الطرق الأخرى، ولا يفرقون ولا يميزون بين طريقة وأخرى، ولا يتعصبون لطريقتهم ولا يطعنون بالطرق الأخرى التي تنهج منهج الكتاب والسنة، وذلك كله مع المحبة والتعظيم والتقدير لطريقتهم ولمشايخهم كما ينبغي أن يكون.
يوجد عدة اجازات بالطريقة الصمادية تم منحها للمريدين من شيوخهم يمكن الاطلاع عليها في قسم المخطوطات منها ما أضافها الاستاذ عمر الشيخ عمر (الصمادي)
ما ذكره الدكتور الباحث محمد شريف الصواف في كتابه عن الأسر الدمشقية ما يلي:
203- الصمادي
من الأسر القديمة الشهيرة، وقد أفرد المؤرخ الغزي في كتابه الكواكب السائرة محلاً واسعاً لرجال هذا البيت، وأطنب في مدحهم، وأثنى على سلوك طريقهم (الطريقة الصمادية القادرية)، وذكر كراماتهم، ونسبتهم إلى (جدهم الشيخ مسلم خادم الشيخ عبد القادر الجيلاني والذي دفن في صماد وهي قرية تبعد عن بصرى الشام حوالي 3 كم في حوران) وهذا أصل التسمية.
كان جدهم الشيخ محمد ( لقبه شمس الدين الشافعي القادري) بن خليل بن علي بن عيسى بن أحمد بن صالح بن خميس بن محمد بن عيسى ( لقبه البحر الغويص) بن داود بن الشيخ مسلم خادم شيخ الإسلام عبد القادر الجيلاني من كبار الأولياء، اعتقده العامة والخاصة وسمي بشيخ الطائفة الصمادية بالشام، وكان في حال الذكر يظهر منه أمور خارقة للعادة، وكانت عمامته وشدة من صوف أحمر، فيما ذكره ابن طولون والمعروف عنه من حال الصمادية، وضع الشدود الحمر، والتعمم بالصوف الأبيض، ثم هم الآن يتعممون بالعمائم الخضر لثبوت نسبهم، وكان الشيخ محمد المذكور مجالسه حسنة، وكان للناس فيه اعتقاد خصوصاً أعيان الأروام، وسافر إلى الروم، واجتمع بالسلطان العثماني سليم خان ابن أبي يزيد خان ابن عثمان، فاعتقده اعتقاداً زائداً، وأعطاه قرية كتيبة رأس الماء، ثم استقر الأمر على أن عين له قرية كناكر تابع وادي العجم، وغلاها إلى الآن يستوفيه الصمادية بعضه لزاوية الشيخ محمد المذكور بمحلة الشاغور بدمشق، وبعضه لذريته، وكان يقرأ في كل سنة مولداً يدعو إليه أعيان دمشق، وطلبتها وصلحاءها، ويمد لهم سماطاً، ويكرمهم ويحسن قراهم، واشتهر أمره وأمر آبائه من قبل في دق الطبول، عند هيمان الذاكرين واشتداد الذكر، وأنكر عليهم جماعة، واستفتي شيخ الإسلام شمس الدين بن حامد الصفدي، وشيخ الإسلام تقي الدين ابن قاضي عجلون فأفتيا بإباحته قياساً على طبل الحجيج، وطبل الحرب، ثم استفتي فيه شيخ الإسلام الوالد فأفتى بإباحته كذلك، وكتب على السؤال مؤلفاً بسط القبول فيه على ذلك، مع التحرز والإتقان، واشتهرت عن بعض آباء صاحب الترجمة قصة عجيبة، هي أن جماعة الصمادية كانوا يضربون الطبول قديماً بين يدي الشيخ، في حلقتهم يوم الجمعة بعد الصلاة، فأمر بعض المجوس بمنعهم من ذلك، في بعض الأيام وإخراج الطبل إلى خارج الجامع، فدخل الطبل محمولاً يضرب عليه، ولا يرون له حاملاً، ولا عليه ضارباً، واستمر الطبل في هواء الجامع من باب البريد حتى انصدم ببعض عواميد الجامع، مما يلي باب جيرون (الباب الصغير)، وكان شيخ الإسلام الجد، والوالد يحضران مجالس الصمادية، وذكرهم وبالجملة أن مجالسهم مهيبة عليها الوقار، والأنس تخشع القلوب لسماع طبولهم، وإنشادهم لأنهم خالون عن التصنع، وكان بين صاحب الترجمة، وبين شيخ الإسلام الوالد تردد ومحبة. كما كان بين الجد وبين أبيه الشيخ خليل وجده الشيخ علي المحبة الزائدة، والمودة الأكيدة، تمرض الشيخ محمد مدة وأوصى في مرضه، وجعل الشيخ بدر الدين ابن المزلق وصياً على أولاده، والشيخ الوالد ناظراً عليه، ثم كانت وفاته يوم الجمعة خامس عشر جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين وتسعمائة وصلي عليه عقيب صلاة العصر بالجامع الأموي، ثم حمل إلى زاويته ودفن في إيوانها، ولم يدفن في نفس الزاوية لأنه قد وقفها قديماً، وخلف ثمانية عشر ولداً ما بين ذكور وإناث، أمثلهم الشيخ محمد أبو مسلم، وترك دنيا عريضة وقيل في وفاته:
الحسيب النسيب أعنـي محمـد | لهف قلبي على الصمادي يومـاً | |
همات قطب من الرجال ممجـد[1] | مذ توفي أهل النهـى أرخـو |
ثم ذكر صاحب الكواكب السائرة أبياتاً طويلة مدحهم بها منها قولـه:
طريقة واضحة السداد | وإنما طريقة الصمادي | |
وكم بدت على يديهم خارقه | أحوالـهم ظاهرة وصادقه | |
قد صار عصرنا به مأنوسا | وبعده الشيخ الحفيد عيسى |
ثم بعد أن ذكر أسماء آبائهم قال:
ومن يشابه أبه فما ظلم | قفا الجدود في الطريق والشيم | |
فربُّنا يرحم منه من سلف | ويمنح التوفيق فضلاً من خلف |
[1] ترجمة أوردها ابن العمـاد في شـذرات الذهـب